Monday 12th April,200411519العددالأثنين 22 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في حوار مثير مع أحد السجناء في حوار مثير مع أحد السجناء
لحظات مثيرة يرويها محكوم عليه بالقصاص.. وينقل وصاياه الثلاث

* حائل - عبدالعزيز العيادة:
رغم أنه محكوم عليه بالقصاص.. ورغم أنه أمضى أكثر من عشرين سنة في السجن.. إلا أنه فاجأنا.. بإيمانه العميق.. وبروحه المعطاء.. وصبره وقدرته على التحمل.. وتطلعه إلى رحمة الله تعالى.. وإنكاره لذاته.. وثقافته ووطنيته الباذخة.. إنه السجين عبدالله فندي غازي السعيد الذي تحدث ل(الجزيرة) بهذا الحوار، ومن خلف القضبان وداخل أروقة عالم القصاص ليروي لنا مواقفه المثيرة ووصاياه الثلاث، وآخر أمانيه التي تتعلق إحداها بأهم مطلب له قبل القصاص بإيجاد مسكن لأبنائه وزوجته لرغبته بأن يطمئن عليهم قبل أن يفارق الدنيا مشيرا إلى أنه في السجن منذ عشرين عاما، ولم يستطع تحقيق هذه الأمنية، كما تحدث عن أمور عديدة ولحظات صعبة مر بها، ووصف كيفية استعداده للحظات القصاص، إن أتت لا قدر الله، فإليكم تفاصيل هذا الحوار:
* منذ متى وأنت في السجن؟
- منذ عشرين عاما.
* ما قصتك؟
- لا أريد أن أعود للوراء.
* لماذا؟
- لأن القتيل ابن جاري، وكان ما يربطنا به أكبر من أن يوصف، وهو من قبيلة كريمة جمعتنا بها جيرة طويلة الأمد من جدودنا الأوائل.
* هل أنت نادم؟
- إن المرء منا يندم على كلمة أحيانا، فكيف من هو في مثل وضعي، ولو قدر لي أن أعيد عقارب الزمن إلى اللحظة المشؤومة لعانقت القتيل، وما كان ما كان!!
* لنتخيل لحظة القصاص ولنفترض أنهم أتوا إليك بعد دقائق، وقالوا هيا إلى القصاص كيف ستتصرف؟
- لا شك أنها لحظات صعبة على أي رجل، ولكن -ولله الحمد- أنا إنسان مؤمن بالقدر خيره وشره، وأعلم أن ما يقدره لي ربي هو الخير لهذا لن أشعر بأي شعور آخر سوى كيف أن ألقى ربي، وأنا تائب من ذنوبي توبة نصوح من قلب خاشع.
* وهل مرّ عليك هذا الشعور وهذه اللحظات قبل ذلك؟
- نعم حينما انتهت مهلة القصاص التي منحت إياها سابقا، وجاء الوقت المحدد وأذكر أنه يوم 11 أو 12 حيث كنت أترقب من يسوقني إلى القصاص!
* وهل نمت ليلتها وكيف كنت؟
- صدقني كانت ككل الليالي.. وربما تستغرب أنني نمت ليلتها باكرا ككل الليالي.
* ألهذا الحد لم تتأثر؟
- الحمد لله.
* ولكن ما السر في ذلك؟
- أبدا إيمان عميق وليس مصطنعا بأن الأعمار بيد الله، وربما يقرر الناس أن يكون قصاص بيد السياف فلان، وتكون إرادة الله أن يموت السياف قبلي، وكم من أناس كانوا يزورون ويتابعون مرضى مصابين بمرض عضال ماتوا هم وشفوا المرضى تلك هي سنة الله في خلقه.
* إذن ما الذي يقلقك حالياً.. بصراحة؟
- والله أكثر ما يقلقني.. هي حالة أولادي وبناتي وزوجتي من بعدي، فأنا سجين منذ عشرين عاما، وحالتي صعبة وعائلتي بلا مسكن يأويهم، وبلا مصروف.
* في مثل حالتك.. وربما هناك كثيرون قبلك.. ما الذي تراه مهما لتقوم بها الجهات المختصة أو المجتمع؟
- لا شك أن صناديق الخير ومبادرات أصحاب السمو الملكي الأمراء موجودة ولكن أن تنشأ صناديق خاصة تجعل ممن هم في مثل هذه الظروف يشعرون بأنهم يستطيعون الاطمئنان على عوائلهم، إما من خلال مصاريف شهرية أو من خلال مساعدتهم نحو إيجاد مساكن لعوائلهم.
* إذن لماذا لم تعرض هذا (المقترح) على سمو الأمير سعود بن عبدالمحسن خلال زيارته لكم في السجن مؤخرا؟
- والله يا أخي لا أدري.. حتى الآن لماذا لم أهتم بنفسي.. لقد اهتممت بأحوال إخواني الخاصة في السجن.. ومنها تقدمت لسمو الأمير سعود - حفظه الله - بطلب مساعدة مدين مسجون كبير سن ومريض بمبلغ تجاوز 137 ألف ريال ونسيت نفسي خصوصا، وقد تجاوب سموه فورا فعمت الفرحة قلوبنا ونسينا همنا.
* وماذا تقول لأهل القتيل؟
- أولا أدعو الله له بالرحمة الواسعة فقد كان -رحمه الله- في العام 36 من عمره، ولا أنسى أنني قدمت وليمة لوالده في مناسبة عزيزة على قلبي لأننا نعتبر أنفسنا من بيت واحد، ولا أنسى مقابلتي لوالد القتيل ومصافحته وسلامي عليه عام 1414هـ بعد عشر سنوات سجن، ولا يمكن أن أقول شيئا سوى من عفا وصفح فأجره عند الله.
* لنعد لأجواء السجن كيف قضيت هذه المدة؟
- لقد درست داخل السجن وأخذت الثانوية، ولكن للأسف خلال كل هذه المدة لم أحظ بتلقي أي دورة، وكلما طلبت قالوا ممنوع لأن عليك دما، فلماذا لا يسمحون لنا بذلك؟ خصوصا وأن هناك دورات في الحاسب الآلي وغيرها وأخرى بالنجارة وما شابه ذلك!.
* أراك حريصا على الدورات؟
- ولم لا؟.. لماذا تريدون قصاصي وموتي ألف مرة قبل لحظة القصاص الحاسمة.
* إذن ترى الدورات مهمة؟
- نعم وبكل تأكيد.
* وما هي وصيتك لأبنائك؟
- أهم وصية أن تحافظوا على الصلوات، وأن تكونوا قدوة لإخوانكم، وأن ترفعوا الرأس من خلال العلم النافع والسمعة الحسنة، وأن يكون القرآن ربيع قلوبكم.
* ما الذي علمك السجن خلال هذه السنوات الطويلة؟
- أن أكون مسالماً.. متسامحاً.. مخلصاً لوطني عاملا بكل جد لغد، وكأنني سأعيش أبدا.. وعاملا لآخرتي وكأني سأموت غدا.. ولا أخفيك أنني- ولله الحمد- تعودت على قيام الليل.. وكم كنت في كثير من الليالي أناجي بصدق بأن يغفر الله ذنوبي وذنوب القتيل- رحمه الله- وهذا حقه عليّ في هذه الدنيا قبل أن نلحقه جميعاً.
* أخيراً.. ماذا عن كواليس أحداث سجن حائل الأخيرة وما هو دورك؟
- الحمد لله أنها انتهت سريعا وبلا أضرار وبشكل حضاري، وقد وفقني الله بأن أكون عاملا مساعدا لتهدئة الأمور فورا مع العقيد مظلي عبدالرحمن الحمدان حيث- ولله الحمد- الله منّ عليّ باحترام خلقه لي ما استطعت التأثير الإيجابي والمساعدة بإنهاء الأمر استشعارا مني بأهمية القيام بهذا الدور في هذا الوقت بالذات الذي يتربص فيه أعداؤنا بوطننا لزعزعة أمنه واستقراره خصوصا، وأن ما حدث كان لا يستحق كل تلك الإثارة.
* وهل تلك المبادرة هي الوحيدة في سبيل الخير داخل السجن؟
- لا وإنما سعيت- ولله الحمد- في حل الكثير من القضايا، ومنها قضيتا تكسير أسنان، وكما هو معروف، فإن الجزاء يكون السن بالسن، وأذكر أنني تسلفت مالا من أجل أن أدفع لأحدهم مبلغا لكي يوافق على التنازل، وتم بالفعل وبالمناسبة، فإن من دفعت عنه المبلغ ما زال جزء منه لم يسددلي إياه حتى الآن.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved