يبدو أن صحافتنا المحلية بدأت تعاني من فراغ كبير بعد سقوط سراب غلاء المهور وتداعي حكاية خصوصيتنا وغيرها من المواضيع التي كانت تدغدغ عواطف الجماهير مجاناً.
قبل سنوات قليلة (قليلة جداً) كان الكاتب إذا أراد رضا بعض الأطراف نادى في زاويته الصحفية بتخفيض أسعار تكاليف الزواج وأنحى باللائمة على جشع الآباء وأصحاب قصورالأفراح وتباكى على دماء الخرفان وشكرالقبيلة الفلانية على تحديد الأسعار (للبكر كذا وللراجع كذا) وأيد بدون تحفظ كل الأطروحات الاشتراكية التي تؤكد على ضبط الأسعار وتوحيدها، مع المطالبة بحماسة بمنع استيراد الحرمة الأجنبية حماية للإنتاج الوطني. ثم يكتب عدة زوايا بعد ذلك يشرح فيها البيت الشعري الشهير الذي يقول:
(الأمم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الاعراق)
شاكراً في معرض حديثه أي إجراءات اتخذتها الرئاسة العامة لتعليم البنات بخصوص تنفيذ ما جاء في هذا البيت من نصائح. وهذا بلاشك يقوده بعد أسبوعين أو ثلاثة من الكتابة المضنية إلى الخوض في مسألة خصوصيتنا. عندها يكون قد انتقل لدغدغة الجانب الثاني من جسد الأمة.
وهذه المواضيع تستولد مواضع أخرى حتى يدخل القارئ في متاهة الخيال الثقافي ويبحث عن حلول لمشاكل لا وجود لها إلا على صفحات الجرائد وفي أخيلة هؤلاء.
بعد سقوط هذه المواضيع وتداعيها يبدو أن الصحف تريد أن تستولد قضايا خيالية جديدة نغرق فيها السنوات القادمة، والمرشح القوي هذه المرة هو برنامج ستار أكادمي . بدأ هذا البرنامج يفرض نفسه كمادة لكل من يريد أن يكتب في الجرائد أو يريد الانضمام إلى كوكبة كتاب غلاء المهور سابقاً ويدغدغ عواطف الجماهير مجاناً .. العاقل البسيط يعلم أن ستار أكاديمي لم يأت بجديد: شباب يغني ويرقص أين الجديد على الفضائيات؟
هل في هذا خروج على نمط البرامج التي تقدمها معظم الفضائيات؟ هل في هذا جديد على ما نراه ونتابعه منذ ست سنوات؟ هل في هذا إخلال بالاتفاق بين الناس التي تدافعت لتركيب الدشوش على سطوح المنازل وبين الفضائيين.؟ أين الجديد الذي ارتكبه ستار أكاديمي حتى يكون هو الخطر الوحيد على أخلاق الأمة وغيره ليس خطراً ؟ ثم كيف نعرف أين الجيد من الرديء إذا كان نفس الأشخاص الذين يرجمون ستار أكاديمي الآن هم نفسهم الذين رجموا طاش ما طاش وبنفس الاتهامات.
طالما أننا لم نحل بعد مشكلة طاش ما طاش المحلي .. كيف نحل مشكلة ستار أكاديمي الأجنبي ؟
الواضح أن هناك أناساً لم يعرفوا بعد أن العالم تغير وأن المملكة تغيرت أيضا وأن المواضيع المسكوت عنها لم يعد يجدي السكوت عليها. هؤلاء أو بعضهم الذين يقلقهم ستار أكاديمي لم تقلقهم البطالة في البلد ، لم تقلقهم الأعمال الإرهابية التي تعاني منها البلد لم يقلقهم التهديدات الأجنبية لأمن الأمة.
من سخرية الصدف أن اقرأ إحدى المقالات العنيفة على ستار أكاديمي في الوقت الذي أقرأ فيه إعلان وظائف نشر في جريدة الحياة اللندنية تطلب فيه شركة سعودية موظفين من الدول العربية لشغل وظائف قيادية في الشركة.
بعد ثلاثين سنة من عمر هذه الشركة تقوم بنشر إعلان بحثا عن قيادات لشركتها من خارج المملكة لو كان هذا الإعلان عن الألبان ونشر في هولندا لبررناه بأن هولندا أعرق منا في صناعة الألبان وتكون مقبولة. أما أن يطلب الإعلان مديرين يقودون شركة سعودية من الدول العربية فهذا يدل على أن ثلاثين سنة لم تصنع شركتنا مديرين سعوديين قادرين على إدارة منشأة. وما زلنا رغم كل شيء في حاجة إلى إخواننا العرب لقيادتنا حتى في الصناعة التي لا يعرفها إخواننا العرب مثل ما نعرفها. من المسؤولون عن هذا؟ من الذي ألهانا عن القضايا الأساسية وطوح بشباب هذه الأمة في جبال تورا بورا وأدغال الشيشان ؟!
من الذي أشغل الأمة في السنوات الماضية بغلاء المهوروسياقة المرأة للسيارة وعباءة المرأة وأغرقنا في قضايا خيالية ؟ من الذي جعلنا غير قادرين على إدارة منشأة صناعية؟!
* فاكس 4702164
|