Monday 12th April,200411519العددالأثنين 22 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأبعاد النفسية والجمالية والاجتماعية والاقتصادية للثوب الفلسطيني الأبعاد النفسية والجمالية والاجتماعية والاقتصادية للثوب الفلسطيني

إن وظائف الملابس الشعبية الفلسطينية وصفاتها جاءت منسجة مع عوامل عدة كالعامل التاريخي والثقافي والفكري والعامل الاجتماعي والأخلاقي المرتبط بالديانات السماوية وكذلك العامل البيئي ونظام الحياة ونمط المعيشة ولا شك أننا نلمس أثر قيم المجتمع الفنية والجمالية والعاطفية إلى جانب الحاجات المادية التي تسدها الملابس بشكل عام.
إن الملابس الشعبية في حدود معرفتي وخاصة الشرقية منها متشابهة إلى حد كبير في الأمور العامة كالمواد الخام مثلاً ومواد التزيين والزخرفة كخيوط القطن وخيوط مقصبة بألوان ذهبية وفضية وملونة وكذلك استعمال الخرز الملون وما إلى ذلك. إلا أن الثقافة الشعبية المتوارثة تتأثر بحضارات الشعوب المجاورة والحاكمة والمستعمرة وهي تحافظ على أصول ثابتة لا تقبل التغيير، فبلادنا موطن ديانات سماوية حرصت على الأخلاق فكانت الحشمة والوقار في ملابس المرأة انعكاساً أصيلاً على الثوب الفلاحي الذي ارتدته الفلسطينية على مر العصور وحرصت الفلسطينية المسيحية على شروط وأصول ارتداء الثوب تماماً مثلما حرصت عليه الفلسطينية المسلمة.
فغطاء الرأس وستر الجسم كاملاً على سبيل المثال أمر ضروري لم تتخل عنه الفلسطينية مهما كانت ديانتها.
الأكمام بأنواعها اتصفت بأنها فضفاضة واسعة وساترة وفي الأثواب العملية التي ترتديها المرأة في البيت أو الخلاء كانت ترفع الردن بربط أطرافه إلى خلف الرأس ومن العادة أن يبقى الكم (سابلاً) في غير أوقات العمل وفي وضعه الطبيعي. وبعد نكبة 1948 حاولت الفلسطينيات التقليل من كمية التطريز على الثوب بسبب الشعور بالأسى والكآبة على فقدان الوطن.. وانتشر استعمال الأقمشة الأوروبية المزركشة والمطبوعة والصناعية فاجتذبت هذه الأقمشة بنسيجها وألوانها النساء وأخذن يلبسن تحت الثوب ما يسمى (بالقميص) وهو كالفستان الأوروبي تماماً ثم ترفع اردان الكم الخالي من التطريز إلى أعلى، وقد شاهدت في قرى الخليل أن هناك تقصيراً للكم حتى أصبح موديل نصف كم مطرزاً بحجة أن (الغدفة أو الخرقة) تلف الأيدي والأكتاف وتسترها.
وسواء قصر الكم أو قلب الردن ورفع إلى أعلى فقد كانت قصة الكم الأصيلة وإرخاؤه على الذراع وتزيينه بالتطريز والترقيع بالأقمشة الملونة على (السواعد) أجمل وأكثر هيبةً ووقاراً وتناسباً مع شكل الثوب العام.. ونلاحظ اليوم أن العودة إلى ترك الكم في وضعه الطبيعي قد عادت وهذا ما يجب أن نعززه ونصر عليه.
وقد ذكر الردن كثيراً في الأغاني الشعبية كأغنية لأبو ردني كما تغني الفلاحة:
ولا تسمح الإمكانيات المادية لنساء بلادنا في الإنفاق على الزي واللباس فتخصص الملابس للسهرات والحفلات تباعاً وعلى مرَّ الزمن وأخرى للعمل وثالثة للبيت واليوميات، وهكذا فالجميع يعرف أن العروس الفلسطينية تعد جهازها بيدها وتبدأ في جمع الأثواب وتطريزها طوال فترة ما قبل زواجها وكان ثوب الملك أو ثوب أبو قطبة (الفباني) مثلاً أو أي ثوب آخر في أي منطقة اخرى هو ثوب المناسبة الأولى وهي الزفاف وكل مناسبة بعدها وهو ثوب المناسبة الأخيرة عند المسيحيات حيث كانت توصي أن تدفن في ثوب العز والفرح الذي احتفظت فيه طوال حياتها.
ولا نزال نشاهد اليوم في قرى منطقة القدس ثوب الحرير الأسود (الملس) المطرز بالأحمر الفاقع والمنقوش بألوان عدة أو بدون نقوش قد احتل مكان ثوب الملك وأصبحت كل عروس وصبية تحرص على امتلاكه وتستعمله في المناسبات وكان هو ثوب العروس منذ الثلاثينات حتى الآن.
ولما كانت طبيعة الملابس الشعبية لا تحتمل التغيير السريع في الشكل والتكوين والطابع المميز فيمكن الاستفادة من أشكال التغيير والتنويع الواردة في الملابس القديمة ويجوز لنا أن نحيي عملية الترقيع واستعمال الأقمشة الملونة في الثوب الواحد وأشكال التطريز المختلفة التي كانت مستعملة بأساليب جديدة لا تنفي الأصل ولا تناقضه أو تمحو هويته، فيمكن إعداد ثوب (جنة ونار) بألوان أقمشة متناسقة وجذابة ويمكن إعداد أثواب الملك للمناسبات، وكذلك إدخال شرائط الأقمشة على الجوانب إلى جانب التطريز أو استعمال الألوان والأقمشة المقلمة في الأكمام وما إلى ذلك حسب ما استعملتها الجدات ويمكن إحياء العباءة النسوية القديمة والتقصيرة والجبة والأقمشة القديمة الشامية متوفرة في عمان اليوم. إن تبني الطبقات الغنية لموضوع الأزياء رفع مستوى التعامل المادي مع الزي الشعبي إلى المستوى الذي لن يتمكَّن منه الشعب، وأصبح لمصممي الأزياء وصاحبات الأعمال محلات تجارية تعد وتسوق الثوب الشعبي للراغبات في الانتماء إلى الوطن والشعب والتراث في أمسية أو سهرة تراثية أو وطنية وحسب وهذا لا يكفي وليس هو التعامل السليم مع الموروثات. إن تزيين الثوب بالتطريز يقلل من الحاجة إلى الكماليات وكذلك الملابس المكملة الأخرى محدودة الأشكال وقليلة التغيير كالأحذية والحقائب وكذلك الحلي (والإكسسوار) علاوة على طبيعة الحياة القاسية المؤلمة في بلادنا لا تتيح الفرصة أمام المهتمات لارتداء مكملات الزينة من الذهب والفضة والخرز الملون. وكلمة أخيرة هي أن المرأة الفلسطينية التي تتمتع بشخصية قوية وثقافة حقيقية أصيلة تواجه حرب تحنيط ملابسها في المتاحف وفي الخزائن وتعارض فكرة بيعها للسياح والأجانب وترفض أن تلبسها (لتستعرض) بها وحسب أو لتجتذب بها الأنظار والاهتمام، بل عليها أن تعيد اليها عموميتها وانتشارها وأن تفتح مشاريع إعداد الملابس الشعبية وترى تقليص التهافت على الملابس الأوروبية وأن نعود جميعاً إلى ثقافتنا في كل أمر وبتكامل ومنها ننطلق نحو التغيير والنمو. إنه تحدٍ لا يقل أهمية عن أي تحدٍ آخر من مجموعة التحديات التي نواجهها كشعب وأمة. وإني أولى الفخورات بأني قبلت التحدي.ثوبي الفلاحي الذي لم أتنازل عنه منذ طفولتي وعلَّمت طالباتي تطريزه وإعداده ودخلت به الحرم الجامعي وكل محضر وحفل وعلى متن الطائرة وفي الفندق والمسجد الحرام والمسجد النبوي وقبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.

ناديا البطمة
مجلة التراث والمجتمع العدد 22 نيسان 1993


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved