*إعداد: منى الحسن - المشرفة التربوية في مدارس أسراري :
بمناسبة استضافة الهيئة الاستشارية للمتحف الوطني برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود (الكنوز التراثية الفلسطينية) وذلك تحت رعاية حرم صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني، صاحبة السمو الأميرة حصة بنت طراد الشعلان.
تجارب بعض المؤسسات الوطنية الفلسطينية في الحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني من الضياع مبادرات فردية وشخصية تعجز عنها دولة.. فتجربة الفاضلة المربية هند الحسيني في مؤسسة دار الطفل العربي - القدس عام 1948م إثر مأساة قرية دير ياسين، أصبحت الآن إحدى كليات جامعة القدس.
وبفضل جهودها الفردية قامت برعاية وتأسيس مركز التراث الشعبي العربي الفلسطيني الذي يضم ثروة قومية فريدة تحكي جذور هذا الشعب الجبار لتكشف بالحقائق كل أعمال الطمس لآثار هذا الشعب وحقه في وطنه.
لمحة تاريخية عن التراث الشعبي الفلسطيني
إذا كان ابن خلدون قد شجع في مقدمته، استقصاء التاريخ من مظاهر حياة الطبقات الشعبية والعاملة، فإن دارس تاريخ التراث الشعبي الفلسطيني يجد صعوبة في دراسة الحياة التقليدية عبر الأزمان لعدم توافر مصادر وثائقية قديمة في تاريخ العرب، تصف بالرسم والصور والألوان معيشتهم ومجالسهم في حياتهم العامة والخاصة، إلا ما كتب عنها بصورة عرضية.
والمطلعون على ما يجري الآن في وطننا الحبيب، فلسطين من أعمال لطمس آثارنا الخالدة التي تدل على حقنا في وطننا الغالي من جهة، وعلى ما تدخله وسائل التقنية الحديثة في المدن والأرياف من تغيير في طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، ليحيون الجهود التي تبذل في أيامنا هذه لتشجيع الدراسات العلمية، من اجتماعية واقتصادية وثقافية، للمجتمع الفلسطيني، ثم ان دراسة المقومات الحضارية لشعبنا هي مسؤولية تاريخية تحاسبنا عليها الأجيال القادمة، وتراثنا الشعبي هو بعض نتاج الإنسان الفلسطيني ككائن ثقافي. وبما ان الثقافة نتاج عملية تطور طويلة جدا فدراسة التراث والتعريف به ثم تسجيله لتخليده واجب وطني.
ومن الطبيعي ان تختلف شدة تأثير التراث من فئة اجتماعية لأخرى ومن زمن لآخر إلا أن قوة التأثير هذه مسألة نسبية فقط وليست مقصورة على طبقة أو فئة بعينها، ففي حين لا يزال القروي يحتفظ بقدر كبير من مختلف عناصر التراث الشعبي، مع ان ما يحدث هذه الأيام نتيجة للتصنيع وسلب المواطن العربي أرضه بالقوة، يساعد على زوال هذه العناصر بسرعة كبيرة، نجد ان سكان المدن قد تخلوا عن الجانب الأكبر من تراثهم، لذلك نرى ان الدارسين لبعض جوانب تراثنا الشعبي يهتمون بدراسة التراث الشعبي في الأرياف، على ان القرية هي الأصل أو الجوهر لفلسطين التقليدية، ولا يركزون كثيرا على أهل المدن وأهل البادية في هذه الدراسات، مع ان سكان فلسطين يتكونون من أهل المدن وسكان القرى وعرب البادية.
تتعدد وتتنوع السبل لدراسة أي فولكلور، فدراسة أي تراث شعبي لا تعرف منهجاً واحداً شاملاً إذا اختلفت اتجاهات البحث وذلك لتعدد وتنوع موضوعات دراسته، لكن هناك الآن أربعة اتجاهات رئيسية تتبع في دراسة الفولكلور: الاتجاه الجغرافي والاتجاه التاريخي اللذان يركزان على الثقافة الشعبية نفسها ثم الاتجاهان الاجتماعي والنفساني وهما يركزان على دراسة حاملي الثقافة الشعبية، فتكون هذه السبل المنهجية مجتمعة الدراسة الفولكلورية بمفهومها الحاضر. فبينما يعتمد المنهج التاريخي في دراسة التراث الشعبي على الظواهر الأدبية، (كالمأثورات الشفهية) وما وجد بين الحفريات التي تنقب عن آثار العصور الغابرة وأودع المتاحف، ويحاول تفسيرها، نجد انه من الضروري تعيين المكان؛ أي التسجيل الجغرافي للظاهرة الشعبية المدروسة، فربط المعلومات بالمكان يمثل نقطة البداية التي تنطلق منها أي دراسة علمية لأي ظاهرة من ظواهر الثقافة الشعبية، ثم ان هذه الدراسة لا تكتمل إذا تجاهلنا الإجابة عن هذا السؤال المهم: في أي جماعة محلية وطبقة اجتماعية أو طبقات اجتماعية ينتشر العنصر الشعبي المدروس؟
ولجغرافية فلسطين تأثير كبير على تاريخها، إذ إنها بفضل موقعها الفريد على ملتقى الطرق المؤدية لآسيا وافريقيا وأوروبا، كانت محط وملتقى الشعوب والجيوش التي كانت تمر بها أو تحتلها مما جعل سكانها يتأثرون بحضارات كثيرة. ويخطئ كثير من المؤرخين الأجانب، وحتى بعض العرب منهم، عندما يذكرون ان العرب استوطنوا فلسطين ابتداء من عام 628 ميلادية أي يوم دخلها المسلمون منتصرين على الروم، حكامها الأجانب في ذلك الوقت. وكل ما فعله المسلمون في تلك السنة أنهم أنهوا احتلال الرومان لفلسطين، حيث كان السكان الأصليون في ذلك الوقت من العموريين والكنعانيين وهم قبائل سامية دخلت فلسطين من شبه الجزيرة العربية فيما يعرف بالهجرات السامية الكبيرة التي حدث معظمها بين 5000 و3000 عام قبل الميلاد، كما يؤكد العلماء ان العموريين كانوا ساميين، حطوا رحالهم في فلسطين قبل مجيء الاسرائيليين بحوالي 2000 - 3000 سنة، حيث بنوا مدن العصر البرونزي الأوسط، ثم ان هناك ما يؤكد قيام مدينة محاطة بأسوار في القدس على يد اليبوسيين ويرجع تاريخها إلى العام 1800 ق. م أي 800 سنة قبل مجيء اليهود إليها، والظاهر كما يثبت العلماء ان الكنعانيين واليبوسيين أقاموا دويلات المدن العديدة دون ان يوحدوها في مملكة كبيرة، مما جعلهم دائماً عرضة للغزوات وكثيرا ما وجدهم الأعداء فريسة سهلة، لذلك لم يكن لهم ان يطوروا حضارة كتلك التي قامت على ضفاف النيل أو في العراق. ثم ان هناك عاملاً جغرافياً آخر منعهم من تطوير مثل تلك الحضارات ألا وهو عدم وجود مصادر مياه كافية، وقد وجدت أثناء الحفريات في فلسطين مجرشة للقمح أو مطحنة بدوية من أيام الكنعانيين مما يثبت ان المجرشة التي يستعملها القرويون الآن مطورة عنها مباشرة، كذلك عثر على فرن في أريحا أثناء الحفريات يعود إلى عام 1300 ق. م، أو حتى قبل ذلك وهو ما يشبه الفرن الحالي في القرية، أي الطابون، وما دمنا بذكر حفريات أريحا فلنذكر انه قامت على أرضها أقدم مدينة محاطة بالأسوار والتحصينات في العالم تكتشف حتى الآن، حيث يرجع تاريخ بنائها إلى عام 7000 ق. م تقريباً.
ومع أنه قدم للبلاد كثير من الغزاة والنازحين، كالهكسوس والحيثيين والاسرائيليين والفلسطينيين الذين قدموا من جزيرة كريت وسميت البلاد باسمهم فلسطين، نسبة لاسم أميرتهم فلسطين، إلا أنهم كانوا يتركون البلاد أو ينصهرون مع السكان الأصليين - طال حكمهم أو قصر - فيبقى بذلك السكان الأصليون من الجزيرة العربية، ولا زلنا لعهدنا الحاضر نجد في قرانا من ينتمي لقبيلة قيس ومن يقول انه يمني.
ولجغرافية فلسطين تأثير كبير على سكانها في تصرفاتهم ومعيشتهم اليومية وعاداتهم ولباسهم. فبالرغم من ان مساحتها ليست كبيرة إلا ان طبيعة أرضها مكونة من جبال وسهول وصحارى مما يجعل المجتمع الفلسطيني يتكون من سكان المدن والقرويين وأهل البادية، وإذا عدنا إلى دراسة تأثير طبيعة القرية على أهلها نجد ان اشتغال الفلاح معظم نهاره تقريباً في حقله لم يترك له الوقت الكافي للقيام بنشاطات فنية. فمع ان التراث الشعبي الشفاهي (مثل الأهازيج والأمثلة والأغاني) غني بما فيه الكفاية إلا ان ممتلكاته المادية البسيطة متشابهة في كل مناطق فلسطين، لكن ما يشذ عن هذه القاعدة هو جمال وتنوع الملابس والتطريز عند المرأة الريفية. وثياب المرأة القروية في فلسطين حتى القرن الحالي أكبر دليل على ذلك.
وعندما يتعرف المرء على بعض نواحي الحياة التقليدية في القرية الفلسطينية يستطيع ان يتفهم كيف تطور هذا الفن، فن التطريز، بهذا الشكل. فالاهتمام بحفلات الزواج في مجتمع تكون الروابط العائلية فيه أهم بينة في الحياة الاجتماعية جعل الاهتمام ينصب على جهاز العروس، وكانت ملابسها وبالطبع فستان الفرح وحليها تكون الجزء الأهم فيه، وقد اتخذت كل منطقة في فلسطين في الماضي لها نمطاً خاصاً بها تقريباً في تفصيل الثياب وتطريزها، حيث لم تكن لتخرج المرأة عن نطاق مجموعة القرى حول قريتها لصعوبة المواصلات. أما بعد انتشار وسائل النقل الحديثة في العشرينيات من هذا القرن، فقد أخذت المناطق تتأثر الواحدة بالأخرى، مما أدى إلى تضاؤل الفوارق في الخياطة والتطريز.
ومما تقدم نشعر ان دراسة التراث الشعبي الفلسطيني دراسة علمية هو واجب حضاري وطني.
سميرة الشهابي جار الله
بكالوريوس علم اجتماع وعلم
السلالات البشرية (الإنثروبولوجيا) |