حينما يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية فإنه يتخصص بشكل أكبر ويكثف معلوماته من خلال دراسته في تخصص علمي معيَّن وجامعاتنا - ولله الحمد - تركِّز مع ذلك على مواد الثقافة الإسلامية، وتجعل بعض الجامعات ذلك من متطلبات التخرج وهذا مما يُحمد لسياسة التعليم العالي، وحينما يتخرَّج الطالب من مرحلة البكالوريوس فإنه يخامره الشعور بالزهو وأنه أصبح عالماً في تخصصه لكن الحقيقة غير ذلك؛ سيجد أنه درس الأساسيات وربما الظواهر العامة بشكل سريع لأنه إذا درس في مرحلة الماجستير سيجد أن هناك أشياء كثيرة غائبة عنه في المرحلة السابقة وإذا ما شُغل بالبحث العلمي فسيزداد مخزونه الثقافي في تخصصه خاصة من خلال التطبيق العملي للمعلومات في موضوع معيَّن. وخلال الدراسة سيجد مثلاً في النقد وخلال التعرض لقضية نقدية معينة يعود لكتب كثيرة في النقد لم تتح له ضغوط الدراسة والتحصيل الدراسي قراءتها كاملة لكن مثل هذه القضايا لفتت نظره لهذه الكتب فتظل قراءتها أملاً يبتغي تحقيقه ثم إذا حصل على درجة الماجستير لربما صاحبه الزهو أيضاً بعلمه لكن حينما يأتي إلى مرحلة الدكتوراه سيجد أن هناك آفاقاً ثقافية أوسع لم يدركها علمه وسيجد أنه مطالب أيضاً إن كان في قسم الأدب العربي مثلاً بالإحاطة ببعض الدراسات المعاصرة في النقد وسيجد أنها كثيرة وأن من أساتيذه الأفاضل من يطالبه بتوسيع نظرته الأدبية والنقدية وقراءة كل ما يتصل بعلمه قديماً أو حديثاً وأن هناك كتباً أو مصادر قد كان يظن أنها بعيدة عن تخصصه فيجد أن لها صلة بتخصصه ولو في وقفات قصيرة ككتب السيرة وأصول الفقه والفتاوى، فماذا يفعل الطالب ليكوِّن هذه الحصيلة الثقافية الكبيرة مع أنه مقيد بقيود الدراسة والبحث العلمي وأخيراً يُفرض عليه ما يسمى (الاختبار الشامل) والمطبق حالياً بجامعة أم القرى فبعد أن يتجاوز الطالب السنة المنهجية عليه أن يقرأ في كتب محددة له من قسم الدراسات العليا ويحيط بها فإذا أخفق المرة الأولى في الاختبار أعيد له فإن أخق طوي قيده حتى لو قطع شوطاً كبيراً في الدراسة والبحث العلمي، فهذا إجحاف للطالب الجامعي وإنقاص من قدره وتكليفه بما هو فوق طاقته ليس من حيث إطلاعه على فكرة المؤلف وإنما مطالبته بالإحاطة بأدق التفاصيل في الكتاب في بعض الأسئلة، من حق هذا الطالب الذي وصل إلى هذه المرحلة التعليمية أن يترك له الحرية في تشكيل أو تنمية ثقافته التراثية أو المعاصرة. إن نظام الدراسة ومتطلبات البحث وظروف الحياة الأخرى لا تتيح لطالب في قسم الأدب مثلاً قراءة ما يريد من الآثار الأدبية المهمة فأنا مثلاً أتمنى أن أقرأ مجلداً ضخماً وهو كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني وإن كنت أقتنيته وقرأت بعض ما فيه، أتمنى أيضاً أن أجد فسحة من الوقت لقراءة كتاب (خزانة الأدب) للبغدادي وهو مجلد ضخم لا بد من قراءته لطالب الأدب واللغة أضف لذلك المجموعات الشعرية والكتب النقدية من تراثنا العربي والتي تساعد في تشكيل الأساس الذي ينطلق منه الناقد العربي المعاصر.
وفي الختام يسرني أن أتوجه إلى المسؤولين في التعليم العالي خاصة الدراسات العليا ألا يفرضوا القيود العلمية والإجراءات الأكاديمية التي قد تؤدي لنفور الطالب من العلم الذي يحبه وتعطيل مسيرته العلمية ويسِّروا ولا تعسِّروا ويكفي أن يوجَّه الطالب إلى القراءة في مصادر ومراجع مهمة في تخصصه دون الإلزام المرهق.
* جامعة أم القرى
ص. ب 5256 - جدة 21422
فاكس: 6207000 أو مكة المكرمة 1655 |