هذه بعض النقول التراثية والنقول العلمية منثورة في بطون الكتب والدوريات أحببنا أن نتحف بها قراء الوراق لما لها من أهمية من جهة ودعوة لقراء الوراق الكرام لمناقشة بعض ما جاء فيها من قضايا مهمة ولعل الجامع بين هذه النقول أنها تناقش موضوعات تراثية مهمة وإن تباعدت أزمانها إلا أنها نُقلت لكم من خزانة الوراق راجين أن نكون قد سلطنا الضوء على ما من حقه تسليط الضوء.
إتلاف المخطوطات والوثائق!
قال الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة:
سأروي لكم قصة مأساوية شاهدت بعيني آخر فصل منها هنا في بلادنا العزيزة؛ لكي أكون أكثر تحديداً في بلدة جميلة من بلاد عسير تدعى (المسقى) وكان بها مسجد قديم؛ وقديم جداً ذكره الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب) اشتكى أهل سكان بلدة المسقى من أن المسجد الأثري الجميل لم يعد كافياً لاستيعاب المصلين؛ فقرر القوم هدمه وتوسيعه وإقامة مسجد حديث على أنقاضه؛ وتبرع أحد المحسنين بإعادة بنائه وتوسيعه؛ فاستعد أهل البلدة بتخصيص كل نشيط منهم بالاجتماع في يوم واحد للنظر في هدم بيت من بيوت الله؛ ومَعْلم من معالم المسقى الجميلة؛ وأثر من آثار الإسلام الخالدة؛ دافعهم في ذلك النية الصالحة؛ والطمع في عمل الخير برؤية مسجد أكثر اتساعاً للمصلين؛ وبدؤوا مهمتهم في الصباح الباكر؛ ولم يأت وقت ما بعد الظهيرة إلا وقد قضوا على الأثر.
القصة أيها السادة لم تنته وهي رأس القصيد؛ لقد وجدوا أقبية تحت أرضية المسجد من الداخل ولكنها مملوءة بالمصاحف والمخطوطات والوثائق التي تعود إلى عصور مختلفة من تاريخنا الإسلامي؛ فتشاور القوم في أمرها؛ فأفتى فيهم فقيه البلدة؛ وهو الواسطة بين أهل القرية وفاعل الخير قائلاً: إنه سمع عن الشيخ عبدالله السعدي ان إكرام الأثر إحراقه؛ فتسابق القوم ولم يعترض أحد خشية إغضاب الفقيه الذي سعى لدى ذلك المحسن بدفع تكاليف إعادة بناء المسجد إلى إخراج كنوز المعرفة والعلم وحملوها في مكاتل إلى الوادي القريب من القرية؛ وهناك أُشعلت فيها النار؛ فأصبحت لهباً ورماداً تذروه الرياح؛ بعد أن كانت على مر العصور نوراً يهتدي به العلماء والفقهاء؛ وهذه الحادثة لم يمض عليها غير عدد قليل من السنوات؛ والأمثلة كثيرة جدا؛ ومازالت تتكرر ونحن لا نفعل شيئاً؛ فالمعلوم لدينا جميعاً وحقيقة نلمسها نحن أبناء هذه البلاد بشكل خاص أن الجزيرة العربية أقل البلدان العربية والإسلامية حظاً فيما يتعلق بثروتنا الوثائقية.
|