يتفضَّل عليَّ المؤلفون والمؤلَّفات بإهدائي تصانيفهم، فأحتفي بها احتفاء العَطِش لقطرة ماء، غير أنَّ الوقت العصا التي تلاحقنا، والسيل الذي يداهمنا، فلا أجد الوقت الذي أتمكن فيه من الاطِّلاع التفصيلي بالقراءة المتأنِّية لكلِّ هذا الزخم الجميل، فأرجئ بعضه لوقت يتسع، ولفكر يستوعب، ولا أنكرأنَّني ألقي إليها النظر، وأقلِّب فيها شيئاً من الفكر، في عبور يمنحني فكرة عن مضامينها إلى أن يحين وقت قراءتها بشأن يماثل حضورها الجميل تقديراً...
وبعض منها يصلني بعد أسابيع من إيداع أصحابها لها البريد، أو الوسيط وهناك مجموعة لا تصلني إلاَّ بعد شهور، فالوسيط مُثقلُ بما عنده.
والأكيد أنَّها جميعها مُقدَّرة في مكانٍ من العقل والقلب.
تذكرت في خطفة هذا المساء الجمعة، بأننَّي قبل أقل من أسبوعين قرأت إهداءً على كتاب وصلني من مؤلِّفته (حنان عبدالعزيز السيف)؛ بإهداءٍ رقيق وعبارات جميلة غير أننَّي ألممتُ بعنوانه ومضمونه ولم أفنِّد قراءته إذ سيأتي له الوقت الخاص به.
إلاَّ أنَّ الإهداء فيه إلى ابنتها التي انتقلت إلى رحمة الله، واسمها مقرون بأبيها (عبدالسلام العبدالكريم) فإذا هو فقيدنا الدكتور عبدالسلام البرجس، وإذا هي ابنته التي سبقته إلى دار القرار شفيعة شاهدة بإذن الله لهما. وإذا بحنان هي زوج هذا الذي استل قلمه وجاهد بكلمته وترك الأثر في نفوس كل من فقده. وإذا بي أمام حسرة: كيف لم أعرفها، كيف لم أصلها، كيف لم... وكيف لم؟!
حنان، على نهج زوجها
أسرة علم نافع، وأثر صالح
كتابها ضمن سلسلة (علماء ترجموا لأنفسهم رقم 1). عن (ابن الجوزي مترجماً لنفسه) صدر قريباً، وإهداؤها جاء بتاريخ نهاية ذي الحجة الفارطة لي...
حنان تخاطب فلذتها.. (إلى من آنستني بمحيَّاها، وأوحشتني بمماتها. إلى ذلك الغصن الرطب، الغض الإهاب، إلى من اجتاحتها الأمراض الجانحة، و... جاءها الموت وهي ترفل في سنيها التسع الحزينة نوف...) ومعها: (علَّ التاريخ يخلد ذكرها وذكر أبيها، وعلَّ العلم يبقي أثرها وأثره،وعلَّ الناس يترحَّمون عليها وعليه)...
فيا حنان: وصلْتني بذكر ينفع، وبعلم باق، فأصلك بحرف مخلص، وبدعاء يصدق، أواسيكِ في فقديكِ واحتسب صبرك عند الذي لا يضيع عنده من عمل عبده ذرَّة... وأسأله تعالى أن يلهمك من الصبر أكثره، ومن الأجر أجزله، وأن لا يحرمك دار الحمد في جناته العليا...
ويا حنان: من ترك ذكراً طيبا كذكر عبدالسلام...
ويا حنان: من أبقى علماً كعلمه..
ويا حنان: من قدّم ابنة كنوف شفيعة..
ويا حنان: من أودع في صدور طلابه ومريديه حباً كحبهم له...
ويا حنان: من له زوج صالح مثلك، علمُها ينفع، وسعيُها صالح، وأثرُها محمود، فإنَّه في رحمة الله بكلِّ ذلك تثقل موازينه، وتقرُّ عينه...
فلك منِّي الدعاء، وله منِّي المِثل... ولنوف البريئة كذلك ليمنحك الله مزيداً من ألق الرضاء.. وبالغاً من قوة الصَّبر.
وكتابك سيظل عنوانكِ لديَّ...
وجعله الله بصبرك وعلمك عملين صالحين في موازين تثقل بهما يوم لا ينفع إلاَّ هما.
وليرحمه الله تعالى..
ويرحمها ..في فردوسه الأعلى.
|