كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م عن تنامي ظاهرة هجرة العقول العربية إلى أوروبا وأمريكا حيث حيث يقدر عدد الجامعيين العرب المهاجرين إلى أوروبا وأميركا عام 1995/1996 بـ 75 ألفا، وكان عدد الأطباء العرب المهاجرين بين العامين 1998 و2000م حوالي 15 ألف طبيب.
وعزا التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي هذه الظاهرة إلى عدة أسباب ناجمة عن البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الطاردة إضافة إلى عوامل الجذب في الدول الأخرى حيث أدى التقييد على البحث والإبداع العلمي إلى تكبيل العقول وإخماد جذوة المعرفة وقتل حوافز الإبداع.
وأشار تقرير التنمية إلى أنه نتيجة لذلك فإن البحث العلمي في العالم العربي يعاني من شح الإنتاج، وضعف في مجالات أساسية، وشبه غياب في حقول متقدمة مثل المعلوماتية والبيولوجيا الجزئية، كما يعاني من انخفاض الإنفاق عليه وغياب الدعم المؤسسي وعدم توافر البيئة العلمية المؤاتية لتنمية العلم وتشجيعه وانخفاض عدد المؤهلين للعمل في مجاله.
كما أشار التقرير إلى أن اقتصار سياسات التصنيع العربية على مفهوم اقتناء وسائل الإنتاج وعدم الاهتمام بالسيطرة على التقنية وتوطينها كان معناه أن تقادم التقنية المستخدمة في المشروعات الإنتاجية حولها إلى مؤسسات غير قادرة على المنافسة، حيث يرى بعض الباحثين أن جل عمليات التصنيع والاقتناء التقني التي قام بها العرب في نصف القرن الماضي لم تؤد إلى الفائدة المرجوة، فقد استثمر العرب بين العام 1980 و 1997 أكثر من 2500 بليون دولار في تكوين رأس المال الثابت الإجمالي، لكن متوسط الناتج المحلي للفرد قد انخفض خلال هذه الفترة، وقد انخفضت الإنتاجية الزراعية والصناعية.
وتواجه عملية ترويج نتائج البحث والتطوير صعوبات وعقبات أساسية بسبب ضعف الروابط بين مؤسسات البحث والتطوير وقطاعات المجتمع الإنتاجية وقصور ملحوظ في ممارسة النشاطات الابتكارية، وبقي الجزء الأكبر من الإنجازات البحثية والتطويرية والإبداعية التي تتم في مؤسسات البحث والتطوير العربية غير مكتمل من حيث الوصول إلى حيز الاستثمار.
ويؤكد تقرير التنمية الإنسانية العربية أن عمليات نشر المعرفة في البلدان العربية في مختلف مجالاتها في التنشئة والإعلام والترجمة تواجه صعوبات عدة من أهمها شح الإمكانيات المتاحة للأفراد والأسر والمؤسسات والتضييق على نشاطها، وكان من نتائج ذلك قصور فعالية هذه المجالات عن تهيئة المناخ المعرفي والمجتمعي اللازمين لإنتاج المعرفة.
وتشير الدراسات إلى أن أكثر أساليب التنشئة انتشاراً في الأسرة العربية هي أساليب التسلط والحماية الزائدة، ما يؤثر على نمو الاستقلال والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، وما زال الوضع العام للتعليم متواضعاً مقارنة بإنجازات دول أخرى حتى في بلدان العالم النامي ومقارنة باحتياجات التنمية الإنسانية.
وما زال التوسع الكمي في التعليم منقوصاً بسبب ارتفاع معدلات الأمية، ولكن المشكلة الأخطر في التعليم في البلدان العربية هي تردي نوعيته، وهذا يقوض أحد أهم أهدافه الأساسية، وهو تحسين نوعية الحياة وإغناء قدرة المجتمعات، ويطرح تحديات خطيرة في وجه المكونات الرئيسية للنظام التربوي التي تؤثر في نوعية التربية والتعليم، وهي السياسات التعليمية والمدرسون والمناهج الدراسية.
كما أن حركة الترجمة العربية ما زالت مشوبة بالفوضى والضعف، فكان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون شخص من العرب في السنوات الأولى من الثمانينيات يساوي: 4.4 كتب، أي أقل من كتاب واحد كل سنة، بينما بلغ 519 كتاباً في المجر، 920 كتاباً في إسبانيا.
|