الذي يطالع في التقارير التي تنشر عن التنمية في المنطقة العربية، وخاصة تلك التي تصدرها المنظمات الدولية . سيجد حتما ما يؤكد انطباعاً مسبقاً بأن ثمة أزمة تنمية، وتراجعاً كبيراً في مقومات النمو الحقيقي الذي تدور مؤشراته حول الإنتاج المعرفي والنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. ودائماً كانت التوصيات تدور حول أهمية العمل الجاد لرفد مقومات النمو من خلال دعم الأنشطة التي تتعلق بتلك المقومات. وتبقى المسألة العلمية التي في جانب منها مرتبطة بالإنتاج المعرفي وتطوير إدوات البحث وتسخير العلم لدعم جهود التنمية، إحدى المسائل التي تشير إليها تلك التقارير بحكم أنها المؤشر المهم على إمكانية تجاوز عقبة التخلف أو تواضع الإنجاز.
لكن الملاحظ أن العالم العربي الذي غرق زمنا في البحث عن مقومات القوة التي تدعمها الوحدة العربية، على اعتبار أنها سبيل لتقدم الأمة، ورفد طاقاتها ببعضها البعض .. انشغل بمقومات التضامن السياسي دون أن يلتفت إلى أن ثمة تضامناً وتعاوناً مهمين من نوع آخر يقوم على تعزيز العلاقة بين دول العالم العربي من خلال الممكن .. والقابل للتعزيز، مثل السوق العربية المشتركة .. أو عناصر إنتاج المعرفة ... أو إبداع مفاهيم أخرى تعزز التضامن والوحدة والاستفادة من الطاقات البشرية والمادية على نحو يقدم شيئاً ملموساً ومفيداً وقابلاً للتطوير.
بقيت المسألة العلمية من المسائل المؤجلة، لاعتبارات تتعلق أولاً بحجم التراجع في مستوى التعليم، وضعف التطوير، وتواضع الإنجاز .. وغياب أي استراتيجية عربية لتعاون علمي يصب في خدمة المجموع العربي.
اليوم تبدو الصورة في العالم العربي على مستويات كثيرة تحتاج إلى أكثر من قراءة، خاصة في مرحلة تبدو المنطقة مستهدفة، وعليها أن تحاول أن تعزز إمكاناتها بالتعاون الممكن والقابل للتطوير .. ومنها محاولة البحث عن عناصر إنتاج المعرفة العلمية، خاصة في مجالات البحث العلمي في مواقع عربية متفرقة .. القليل منها معروف والكثير يبقى نشاطاً غير قابل للتداول لأسباب كثيرة .. منها تواضع الإمكانات وضعف التواصل .. ولعل البحث في فكرة أن يكون للعرب مؤتمر علمي سنوي يحاول أن يكون حقلة وصل بين نشاطهم العلمي مهما بدا متواضعاً يمثل من الأهمية بمكان لقياس حجم النشاط العلمي .. واكتشاف مدى الإنجاز المتحقق .. ورفد كل هذا بالتواصل المعرفي الذي يحتاجه العلماء العرب لإضاءة الطريق لآفاق أرحب تعزز من قدراتهم على بناء شبكة من منظومة علمية عربية قابلة للتطوير.
إن الندوة الثالثة لآفاق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في العالم العربي التي تنظمها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مع مؤسسة علمية حديثة هي المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا .. يجب أن تأخذ هذا التصور ضمن نشاطها الذي يجب أن يتجاوز المألوف من طرح الأوراق العلمية في المجالات العلمية المختلفة إلى محاولة إضاءة الطريق أمام تعاون عربي حقيقي، يبدأ من البحث في كيفية تعزيز دور البحث العلمي في التنمية العربية المتعثرة .. إلى مستوى تفعيل تجمع عربي علمي سنوي، بلغ الآن عامه الثالث بمبادرة من المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا وبدعم ومساندة العديد من المؤسسات العلمية العربية والمؤسسات الإقليمية المستقلة أو التابعة لبرامج دولية .. في سبيل الوصول إلى ملامح مشروع أكثر منه مؤتمراً أو ندوة علمية متخصصة.
إن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وهي تنظم الندوة الثالثة لآفاق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، استهدفت أيضاً خلق فرصة من هذا النوع، بالإضافة إلى الأهداف الأخرى التي تعنى بها الندوة.
ربما كانت المشكلة الأكثر أهمية اليوم في العالم العربي، هي كيفية مشاركة العالم في سباق التنمية الذي لا يوفر فرصة كبيرة للتوقف أو الجمود .. وليس ثمة طريق أكثر أهمية من البحث في تعزيز دور العلم في مواجهة أزمات الحاضر ومخاوف المستقبل.
د . عبدالله بن أحمد الرشيد
نائب رئيس المدينة لدعم البحث العلمي ورئىس اللجنة التحضيرية |