أعود ثانية هنا؛ إلى النظر فيما وصلني من رسائل هذا الأسبوع؛ فأتوقف عند اثنتين مهمتين؛ تخصان شريحة كبيرة من شبابنا السعودي؛ من خريجي الجامعات في التخصصات شتى، أو من حاملي درجة الدبلوم في المجالات شتى. نظرت في هذه وتلك؛ فتملكتني (الدهشة) وتساءلت: كيف نلاحق القطاعات الخاصة؛ ونفرض عليها كفاءات وتخصصات إدارية ومهنية؛ بينما نحن في القطاع العام؛ نتجاهل هذه الكفاءات، أو لا نعترف بتلك التخصصات؛ رغم ندرة وأهمية الكثير منها؛ ورغم حاجتنا الماسة إليها في قطاعات كثيرة..؟!!
= أين يذهب خريجو الحيوية والكيمياء..؟!=
هذا (معشوق بن غازي الذويبي)؛ شاب جامعي في تخصص علمي نادر هو: (الكيمياء الحيوية والأحياء الدقيقة)، ومعه مئات من زملائه الشباب؛ لم تفدهم شهاداتهم، ولم تشفع لهم تخصصاتهم، لا عند ديوان الخدمة المدنية؛ الذي يتجاهل أهمية هذا التخصص، ولا عند وزارة الصحة؛ التي تستقدم غير السعوديين من هذا التخصص، ولا حتى عند وزارة التربية والتعليم، التي تتعاقد مع معلمين أو فنيين؛ غير سعوديين لتدريسه أو إدارته..! يقول الشاب الجامعي:
نحن خريجو الكيمياء والأحياء الدقيقة- تخصصات علمية - توقف ترشيحنا على وظيفة إخصائي مختبرات في وزارة الصحة؛ منذ العام 1417هـ، ثم توقف مع هذا الإجراء المفاجئ؛ حالنا وحياتنا، فنحن بالمئات بين عامي 1417-1424هـ فماذا نعمل..؟
حاولنا وحاولت معنا الأقسام الأكاديمية في الجامعات، مدة سبع سنين؛ ففتح لنا باب قبول لدى ديوان الخدمة المدنية؛ ولكن لمدة ثلاثة أشهر فقط عام 1424هـ. بعدها أقفل هذا الباب، وأصبح عددنا اليوم يربو على (530) خريجاً بل أمل..؟!
قام ديوان الخدمة المدنية؛ بإيقاف الترشيح بتاريخ (23-7-1424هـ)، مستنداً إلى خطاب وكيل الوزارة؛ مع أن الفرص الوظيفية الفنية؛ متوفرة في وزارة الصحة؛ وفي غيرها من الجهات..؟!
لم نترك باباً إلا طرقناه. ترددنا على الديوان دون فائدة، لجأنا إلى وزارة الصحة؛ فأحالتنا على الديون، رجعنا إلى الديوان؛ فرفض متذرعاً بوجود دراسة مشتركة مع وزارة الصحة.. هذه الدراسة مضى عليها قرابة عام، ونحن نحمل شهادات علمية دون عمل؛ وفي نفس الوقت؛ نرى زملاء لنا من أبناء (المقيمين)؛ من خريجي المعاهد الأهلية؛ يلتحقون بوظائف في وزارة الصحة؛ نحن لا نُمَكَّن منها..؟!
لم نيأس.. طرقنا أبواب وزارة التربية والتعليم؛ ونحن نطمع في إحلالنا محل المتعاقد معهم من غير السعوديين؛ في هذه التخصصات العلمية والفنية التي نفخر بها؛ لكن.. وآه من لكن.. لم نجد أذناً مصغية..!!
بالله عليك.. إلى أين نذهب..؟ وماذا نفعل بشهاداتنا العلمية هذه..؟ وما هو شكلنا في المجتمع؛ الذي نطمح أن نندمج فيه؛ مواطنين أسوياء صالحين..؟
بند (الأجور).. يا لهذا (الجَور)..؟!
وهذا شاب جامعي آخر؛ هو (محمد السفياني).. تخصص إدارة واقتصاد، ماهي مشكلته..؟ بل مشكلة عشرات الآلاف ممن هم في وضعه..؟! يقول:
تطرقت في مقال سابق لك هنا؛ إلى معاناة من هم على البند (105). أحسنت. ولكن.. هل تعلم؛ أن بنداً آخر أسوأ منه؛ ذلك هو (بند الأجور).. وما أدراك ما بند الأجور..!
يكفي أن تعرف؛ أن معظم المعينين على هذا البند الجائر؛ هم من الشباب، وخاصة الجامعيين؛ الذين سُدّت في وجوههم؛ كل الطرق المؤدية إلى وظائف وأعمال تتناسب مع تخصصاتهم، وتحقق لهم الأسوة مع بقية الموظفين من أمثالهم، ذلك أن سمة هذا البند الغريب؛ هي أجوره المتدنية، بحيث لا تفي بمتطلبات شاب؛ يحلم بالعمل؛ وبالزواج؛ وبحياة كريمة في وطنه وبين أهله.
إن بند الأجور هذا؛ يتفرع إلى أربعة فئات هي: (أ-ب-ج-د)، والمربوط الأول في الفئة الأولى: هو (1290 ريالا) بينما المربوط الأول لأعلى فئة فيه هو:(2915) ريالاً، ومقدار الزيادة _إن حصلت- هي (90 ريالاً) في الأدنى، ثم تنتهي ب (180ريالاً) في الأعلى..!
تصور.. أن التعيين على هذه الفئات؛ لا يراعي المؤهلات، بل إن معظم المتقدمين أو كلهم؛ يعين على فئة واحدة هي الأدنى دائماً (أ)، بمربوط واحد هو (1290 ريالاً)، ثم يُنقص منه للتأمينات؛ ولا يُزاد أبداً، حتى ان موظفين عليه هم من العام 1405ه؛ وما زالوا دون ترفيع أو زيادات، وربما مات بعضهم وهو يحلم بعلاوة ال (90 ريالاً)..؟!
هل تريد معرفة المزيد..؟ إليك التالي: إن معظم وظائف هذا البند مهنية، ومع ذلك؛ لا ينظر إليها من قبل الخدمة المدنية..! وإذا حصل موظف على وظيفة إدارية بالمسابقة؛ تذهب خدمته السابقة أدراج الرياح؛ مهما كانت..!
ثم يقول هذا الشاب بلسان عشرات الآلاف من زملائه على بند الأجور:
إن طموحاتنا ليست كبيرة؛ ولا مطالبنا مستحيلة.. نأمل في رفع الرواتب، وأن نعين على الفئات التي تتناسب مع تخصصاتنا ومؤهلاتنا، وأن نظفر بشيء من تلك الحوافز التي يتمتع بها زملاؤنا على سلم الموظفين؛ ومنها الانتدابات والدورات؛ واحتساب الخدمة.
بعد ذلك.. ليس أمامي هنا؛ إلا أن هاتين القضيتين أمام أنظار المسؤولين في الدولة، في الجهات كافة، ابتداءً من ديوان الخدمة المدنية؛ وانتهاءً بمجلس الشورى، والقوى العاملة، مروراً بوزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، والقطاعات كافة التي تُعنى بتوظيف الشباب، وتوفير الأمان المعيشي لهم ولأسرهم.
بقي أن نسأل أنفسنا: لماذا لا نعيد النظر في البند (105) وبند (الأجور)؛ ونتفهم مشاكل شباب من أبنائنا؛ يحملون مؤهلات جيدة، فيصدمهم الروتين، وتصدهم اجتهادات شخصية؛ ليس لها من التقعيد الوظيفي أي نصيب..؟!
fax:02 5526173
|