ليس لديَّ شك في أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى هو من أفضل من تسنم منصب أمين العام الجامعة العربية طوال تاريخها.
غير انه على ما يبدو جاء في الوقت الخطأ، نشاطه في ( لملمة) الصف العربي، ومحاولاته المستميتة لعقد القمة العربية المؤجلة، وإنقاذ الجامعة من الانهيار هي في رأيي محاولات جبارة، وسينجح - كما أرجح- وستعقد القمة وفي شرم الشيخ أيضاً، لأنه أولاً مدعوم بقوة من الدبلوماسية المصرية، فضلاً عن أنه يملك الأفق السياسي الواسع، والتجربة، ويعرف جيداً من أين تؤكل أكتاف الساسة العرب، ومتمرس في معرفة دهاليز السياسات العربية حق المعرفة عندما كان يعمل وزيراً للخارجية المصرية لأكثر من عقد من الزمن، إضافة الى لغته الدبلوماسية المتفوقة، و( الكاريزما) والأناقة التي تضفي على شخصيته شيئاً من الجاذبية، رغم المعارضة المغاربية لهذه القمة، التي تصر على عقدها في تونس بدلاً من دولة المقر مصر، غير أنها ستنعقد في النهاية حتى وان تغيبت تونس وغيرها من الدول المغاربية.
والسؤال الذي يفرضه السياق: ماذا لو انعقدت القمة، وقد عقدت قبلها قمم ولم تغير من المواقع العربي شيئاً، ولماذا هذا الحماس والإصرار على عقدها، رغم أننا نعلم- بدءاً - أن قراراتها وتوصياتها، ستتحول إلى مجرد حبر على ورق في أضابير تنوء بحملها أرفف أرشيفات مقر الجامعة في القاهرة، مثلما جرى لقرارات القمم السالقة، أما القمة محل الخلاف، فلن تزيد على الممارسات البروتوكولية، وسيتبادل القادة الابتسامات، والخطب، وربما بعض الشتائم، ثم ينفض المؤتمر، ويعود كل قائد الى بلاده محملاً بمزيد من الاختلافات والتشرذم وربما العداوات كما هي العادة ، فلماذا- إذن- كل هذا الحماس على ضرورة عقدها، وكأنها ستأتي لبني يعرب ( براس غليص) أو رأس شارون؟
مشكلة الجامعة العربية، منذ الإنشاء، تكمن في أنها تتجاوز الحقائق على الأرض، وتقفز برومانسية الى (ما يجب ان يكون) فما يجب أن يكون- مثلاً- أن (نتحد)، غير أن الواقع الذي نعايشه يرسخ التشتت ويكرس استقلالية الدولة الوطنية، وفي المقابل فإن هذا الواقع لا تعيره الجامعة أي اعتبار وكأنه ليس من شؤونها، ثم ترفع شعار ( العمل العربي المشترك) ونحن نعرف مسبقاً أن أي عمل مشترك بين أطراف مصالحهم متعارضة، وبين أنظمة تختلف فيما بينها من حيث التوجه والرؤية والاستراتيجيات اختلافاً جذرياً، كما هو الوضع بين الانظمة العربية، سيكون مآله للفشل الحتمي بكل تأكيد.
وأنا لست إطلاقاً ضد أي منظمة من شأنها العمل والتنسيق الإقليمي بين الدول، سواء كانت هذه المؤسسة عربية، أو أنها تتسع لتشمل غير العرب من الدول المجاورة، ولكني أطالب بمؤسسة تتعامل مع الواقع وليس مع الاحلام، أطالب بمنظمة عربية تعاونية، شريطة أن تكون هذه المؤسسة تعمل طلباً للمصالح وليس المبادئ ( المختلفة) التي ترفع كشعار على أعمدة الصحف في ( النهار) وتغيب في الليل وفي الغرف المغلقة عندما يجري البحث ورسم السياسات بجدية.
كل ما نطالب به مؤسسة تعاونية تعمل من خلال الواقع لا خارج الواقع، وتتعامل مع ما هو كائن لا مع ما يجب أن يكون، نريد مؤسسة تكاملية تنسف أول ما تنسف ( التفكير الرغبوي) القائم على الأمنيات التي أثقلت كاهل الجامعة العربية، وحملتها من الواجبات والمسؤوليات ما لا يمكن تنفيذه، ما أدى في المحصلة الى فشلها الذريع.. لذلك، فإنني أرى، وعن قناعة مدعومة بالكثير من التجارب التاريخية، أن المؤسسات التنسيقية، أو التعاونية، المشتركة بين الكيانات السياسية، إذا لم تقم على اساس اقتصادي بحت، وهمشت المصلحة، وسعت الى تشكيل بنية فلسفية تحتية تقوم على منظومة من المبادئ والتاريخ مفترضة أن ( التضحية) بالمصالح الوطنية في سبيل تحقيق الحلم القومي هو أس من أسس نجاحها، فإنها ستنتهي حتماً الى الهاوية، مثلما أن الجامعة العربية تقف اليوم على شفيرها لهذه الاسباب.
الحل في رأيي يكمن في حل الجامعة العربية، ومواراتها الثرى، والتفكير في إنشاء مؤسسة بديلة تعاونية وتكاملية اقتصادياً، تقوم بهدف مصلحة أعضائها، وتتحاشى السياسة قدر الامكان، وتؤجل موضوع الوحدة والاندماج، وتسعى الى تحقيق (التكامل الاقتصادي) بين دولها، الذي يجب ان يكون على ( وجه الأولوية) هو غاية أهدافها.
|