Saturday 10th April,200411517العددالسبت 20 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البهاق وأمراض المناعة الذاتية البهاق وأمراض المناعة الذاتية

على الرغم من أن السبب الحقيقي الذي يؤدي لحدوث البهاق غير معروف حتى الآن فإن كل الدلائل تشير إلى أنه مرض من أمراض المناعة الذاتية. ولمعرفة ما هي الأمراض المناعية الذاتية لابد لنا في البداية من تسليط الضوء على الجهاز المناعي للإنسان بشكل عام.
فالجهاز المناعي يعتبر من أهم أجهزة الكائن الحي وهو الذي يتولى الدفاع عن الجسم ضد مختلف الأخطار سواء التي تكون من مصدر داخلي (الجسم نفسه) أو من مصدر خارجي (البيئة المحيطة بالإنسان).
ويمكن تقسيم الجهاز المناعي إلى قسم يعنى بتشكيل الأجسام المضادة Antibodies والقسم الآخر يعنى بوسائل الدفاع المناعية التي تعتمد على الخلايا اللمفاوية (المناعة الخلوية) وفي الحالة الطبيعية يكون هناك انسجام وتنسيق تام بين هاتين الآليتين، ومن المهم التذكير بوجود بعض الأعضاء المتخصصة التي تعتبر من المراكز الهامة للدفاع المناعي داخل الجسم وهي نقي العظم والطحال والنسج اللمفاوية المرافقة للأمعاء والجهاز اللمفاوي المرافق للجلد إضافة لعناصر دفاعية أخرى.
وإن الأمراض المناعية التي تحدث قد تنجم عن خلل أو عيب في أحد هذه العناصر الدفاعية وقد يكون هذا الأمر موروثا (وراثيا) وقد يكون مكتسباً.
ففي بعض الأمراض الوراثية نلاحظ عيبا أو غيابا في أحد عناصر الدفاع مثل نقص في إنتاج أحد الأجسام المضادة أو غياب الطحال أو غياب غدة الثيموس (Thymus) وهذا ما ينجم عنه خلل في القدرة المضادة للجراثيم والعناصر الممرضة المختلفة فيصبح الجسم أكثر عرضة وقابلية للإصابة بالأمراض المختلفة وقد يكون العيب في الجهاز المناعي ناجما عن عوامل بيئية مثل التعرض للأدوية الكيماوية والأدوية المستخدمة في علاج الأورام التي تحدث خللا واضطرابا في توازن الجهاز المناعي.
ولكن ما هي الأمراض المناعية الذاتية؟
عادة ما ينظر الجهاز المناعي لأعضاء الجسم المختلفة بأنها من الذات (أي أنها من ذات الشخص) وبالتالي لا يقوم بأي رد فعل اتجاهها، وفي حالات الأمراض والالتهابات المختلفة والتي قد تنجم عن الجراثيم أو الفيروسات أو المواد الكيماوية.. الخ يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة هذه العناصر الممرضة لأنها تعتبر بمثابة عناصر غريبة وليست من الذات ويقوم بتشكيل الأضداد لها وبتجنيد الخلايا اللمفاوية (كريات الدم البيضاء) للسيطرة عليها.
وفي بعض الأحيان ونتيجة عوامل معينة قد يحدث عيب في نظام المناعة بحيث أنه يفقد القدرة على التمييز ما بين العناصر التابعة للجسم والتي تعتبر من الذات (مثل الطحال، الجلد، الغدة الدرقية، غدة البنكرياس) وما بين العناصر الغريبة مثل جراثيم العقديات (Streptococcus) ومواد كيماوية معينة، ونتيجة لذلك يقوم الجسم بتشكيل الأجسام المضادة لأجهزته نفسها فتقوم هذه الأضداد بمهاجمة أعضاء الجسم وتدميرها وهذا ما ينجم عنه ما يعرف بالأمراض المناعية الذاتية.
ولكن وبعد هذه العجالة ما علاقة البهاق بالجهاز المناعي والأمراض المناعية؟
يعتبر البهاق من أمراض المناعة الذاتية، وقد دعم هذا الرأي كثيرا عن طريق الملاحظات والخبرات السريرية والدراسات المتعددة وذلك لأنه في البهاق تقوم العناصر الدفاعية (الخلايا اللمفاوية) بمهاجمة الخلايا الصباغية Mebnocytes المسؤولة عن لون الجلد وتقوم بتدميرها حيث تعتبرها كعنصر غريب ونتيجة غياب هذه الخلايا وموتها يفقد الجلد المورد الخاص باصطناع الصبغة وبالتالي تتحول مناطق الجلد الفاقدة للخلايا الصبغية إلى مناطق بيضاء، إضافة لذلك فإن ترافق البهاق مع العديد من الأمراض المناعية الذاتية يدعم هذا الرأي، حيث نلاحظ الترافق الواضح للبهاق مع مرض السكري وهو مرض مناعي ينجم عن حدوث أجسام مضادة خاصة ضد خلايا غدة البنكرياس المسؤولة عن إفراز الأنسولين (الهرمون المنظم والمخفض لسكر الدم) وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع سكر الدم والإصابة بالسكري، وكذلك أمراض الغدة الدرقية المختلفة (سواء زيادة نشاط أو نقص نشاط الغدة) والتي تنسجم عن تشكل أضداد خاصة ضد هرمونات هذه الغدة وخلاياها مما يؤدي إلى حدوث أشكال سريرية مختلفة متعلقة بالغدة الدرقية، وكذلك فقر الدم الخبيث الذي يعود سببه إلى وجود أضداد مناعية تهاجم الخلايا الجدارية في الأمعاء وتدمرها وهذا ما يؤدي إلى عدم امتصاص الفيتامين B12 من الأمعاء وبالتالي حدوث فقر الدم.
وأيضا أمراض مناعية أخرى تصيب الغدة فوق الكلية (الكظرية) مثل داء أديسون وكذلك أمراض جلدية مناعية أخرى مثل (الثعلبة).
وهنا نلاحظ أن الجسم في حالة الأمراض المناعية الذاتية يفقد قدرته على التعرف على أعضاء الإنسان وتصبح الحالة أشبه بما يحدث عند زرع أعضاء إنسان في جسم إنسان آخر (مثل زراعة الكبد والكلى) والتي تؤدي إلى حدوث ارتكاس التهابي ومناعي يؤدي في نهاية المطاف إلى رفض العضو المزروع لأنه في الأصل ليس من جسم الشخص المزروع له (تفاعل الطعم ضد المضيف). Graft versus host disease
وبأخذ كل ما سبق بعين الاعتبار نلاحظ أن الدلائل التي تشير إلى أن البهاق مرض مناعي هي دلائل دافعة وقوية ومن هنا كانت الفائدة لبعض الأدوية المعدلة للمناعة في علاج البهاق، كما أنه في حالة الإصابة بالبهاق يفضل إجراء بعض الفحوصات الدموية التي قد تقود إلى اكتشاف إصابة الأعضاء الأخرى (كالغدة الدرقية) والتي قد ترافق البهاق كما ذكرنا.

د. مروان أسعد
المركز الوطني لعلاج البهاق والصدفية - الرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved