الإيمان هو دليل كل خير ومغلاق كل شر، ومن أجل هذا أقام المولى عليه دعوته الإصلاحية التي ترمي إلى إسعاد كل البشرية.
فباسمه دعانا إلى كل فضيلة ونفرنا من كل رذيلة حقاً الأمة التي تصدق في إيمانها وتحب بإخلاص تعاليم دينها، وتأخذ نفسها به وتقوم على تعاليمه هي الأمة الرشيدة العاقلة الناجحة بإذن الله خذ مثلاً الأمة الإسلامية في أول عهدها حين تمكست بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعضت عليها بالنواجذ، ونصرت الحق وحاربت الباطل عزت وسادت عزت بنصر الله لها وخذلان أعدائها وسادت الأمم وكانت لها الكلمة العليا تستمد من كتاب الله الهداية والنور ومن سنة خير البشرية القدوة الحسنة والسيرة الطيبة وكتب الله لها التمكين في الأرض فصارت لها الغلبة، ولم يجعل الله لأحد عليها سلطاناً وعاشت كما يعيش الأحرار آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان لأن عملها خالص لوجه الله، وإقبالها على الله عظيم وثقتها بالله وثيقة وحبها لنبيها لا يساويه أي حب - وإخلاصها لدينها يفوق كل إخلاص قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :(إن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة) فقال أبوبكر :الصحبة الصحبة يا رسول الله وأخذ يبكي من شدة الفرح وهو يعلم أن هذه الصحبة أكبر مخاطرة بالحياة وفراق الأهل والولد والدعة ومكان التمتع به من أسباب السعادة والاستقرار وهدوء البال مع أسرته ولكن صدق الإيمان والحب الخالص جعلا أبا بكر يبكي من شدة الفرح والسرور - إنه إيمان صادق من نوع خالص إيمان الحب الذي استقطب حبه لمحمد صلى الله عليه وسلم كل كيانه وكل إحساسه وكل تفكيره فحيث صحبة محمد يكون اقتحام الاهوال التي لا تتوقف دون الموت - أحب إلى نفس هذا المحب من كل طيبات الأمن والدعة وطمأنينة البال على النفس والأهل وأحب إلى نفسه مئات الأضعاف حتى لا يكتفي في فرحه بأقل من الدمع المدرار - إن هذا فعل المحب الذي يفتدي حبيبه بنفسه من غير تردد ويفديه بماله كله - أخذ أبوبكر كل ماله ليكون تحت تصرف الدعوة وهو الرجل شديد المسؤولية - فحب محمد ومصلحة محمد ذلكما عند أبي بكر كانا أقوى آلاف المرات من حب أهله وفيهم فتاتان صغيرتان نعم حب الله وحب محمد ثم حب نجاح الدعوة وهو الحب الأقوى والأسمى والأعظم - دخل أبوبكر الغار قبل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم - ليقي محمداً صلى الله عليه وسلم من سبع أو حية وعرض نفسه للخطر.
هذه الحادثة ناطقة بذاتها أن هذا فعل المحب الذي أحب حبيبه بصدق وإيمان وحادثة أخرى توضح حب الصحابة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (وهي نوم سيدنا علي رضي الله عنه ليلة الهجرة على فراش النبي) هذا دليل قاطع وبرهان ساطع على الحب الحقيقي الخالص لوجه الله والإيمان القوي وهو يشبه حب أم مفرطة الأمومة بوليدها تدفعها الغريزة - بغير تفكير أو تدبر - في لحظة الروع أن تلقي بنفسها على مصدر التهلكة لتكون وقاء له إن كان هناك ثمة وقاء - أو فداء له إن لم يكن من الأمر حيلة دون الفداء.
صنع لا يصدر إلا عن أسمى مشاعر الحب والولاء إن الإسلام يوجب في المسلم تصوراً خاصاً نحو الحياة ونحو المجتمع إنه تصور يفيض بالحب والحنان والعطف والبر، يقدم فيه أبناء المجتمع المسلم ما لديهم من مساعدة إلى المحتاجين للمساعدة لوجه الله تعالى وطمعاً في الثواب.
وهذه الرحمة النابعة من القلوب الرقيقة المؤمنة لا تبغي بذلك جزاء الخلق ولا الشكر منهم بل تتجه إلى الله وحده تطلب رضاه - وهذه العاطفة الإيمانية المخلصة من أعظم مزايا التربية إلاسلامية الصحيحة - فإن الأمم قد تنظم الضرائب وتفرض التكاليف لإسعاف المحاويج ومساعدتهم، فيدفع الناس الضرائب قهراً - أما الإسلام فإنه عقيدة تربي أبناءها على البذل والسخاء من ناحية وتربيهم على العاطفة النبيلة الكريمة المهذبة التي تجود طائعة راضية كل الرضا ابتغاء وجه الله.
عن عبدالرحمن بن عوف قال: لما قدمنا المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع الأنصاري فقال سعد إني أكثر الأنصار مالاً فأقاسمك نصف مالي - وأنظر أي زوجتي هويت إحداهما نزلت لك عنها فإذا حلت تزوجتها فقال عبدالرحمن: (لا حاجة لي في ذلك - دلني على السوق بارك الله في أهلك ومالك) رواه البخاري.
حقاً لم يعرف التاريخ قديمه وحديثه حادثاً جماعياً كحادث الهجرة واستقبال الأنصار للمهاجرين لقد استقبلوهم بالحب والبذل والسخاء استقبلوهم استقبالاً حاراً نابعاً من قلوب مؤمنة ونفوس طاهرة حتى روي أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بالقرعة - إن عدد الراغبين في الإيواء أكثر من عدد المهاجرين.
ما أروع قصة الهجرة النبوية إنها قصة مفعمة بكل معاني السمو والمجد - قصة نجد في ثناياها وحناياها ما يزودنا بطاقة جبارة تيسر لنا كل عسير وتذلل لنا كل وعر وتجعلنا نعيش على أرض الله وتحت سمائه وبين مخلوقاته عيشة هنيئة.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يعرفون الحق ويعملون به ويتمسكون به.
هناك كلمة قالها إمام دار الهجرة مالك بن انس رحمه الله وهي كلمة عظيمة ينبغي للمسلم أن يتبصر بها ويتأملها.قال رحمه الله :(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).
ما الذي أصلح أولها؟ هو الكتاب والسنة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم - كذلك أخر هذه الأمة حينما يكثر الشر والضلال والفرق والجماعات لا يصلحها إلا ما أصلح الجيل الأول وهو موجود ولله الحمد في أيدينا وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والرجوع إلى العلماء المخلصين والمختصين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليبينوا لنا ما أشكل علينا.. كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين في كل مكان لما يرضيه، وأن يعينهم على تحكيم شريعته والتحاكم إليها والاستقامة عليها وإلزام الشعوب بها كما أساله سبحانه أيضاً أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان - وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يعينهم على طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يعيذهم من طاعة الهوى والشيطان إنه سميع قريب.
|