ربما لا يشعر المرء بالنكران المبين، إلا حينما يعلم أن أحداً ممن حوله في نقطة تفتيش أمنية معينة، قد بدا عليه التعجل، وأنه لا يكاد يحتمل الانتظار، ولو لدقائق محدودة جداً، فوقته (الثمين) لا يحتمل شيئاً من التأخير. وقد يوجد من بيننا من لا يروق له- أصلاً- أن يمر من نقاط تفتيش، فضلاً عن أن يتم سؤاله عن هويته. ومع ملاحظة أن من هذه حاله لا يمكن إلا أن يكون نزراً يسيراً من الناس، فإنه من المهم الإشارة إلى أن مرد هذا الشعور-إن وجد- إنما يعود إلى تدنٍ واضح في تصور الموقف، وفهم مجمل أبعاده. لعل السؤال المهم الذي يمكن أن يطرحه الإنسان على نفسه كلما مر من نقطة تفتيش هو: لصالح مَنْ يعمل رجال الأمن؟
من المؤكد أن الاجابة المنطقية تفيد أنهم يعملون من أجل المصلحة الوطنية. وإذا كان الوطن هو (الأرض) و (الناس) تاريخاً وواقعاً ومستقبلاً، فإن كل فرد على ترابه معنيٌّ بمصلحته، ومستهدفٌ بنشاطه. وفي هذه الأيام المتأخرة التي احتجنا فيها أن نرى رجال الأمن من حولنا بشكل أكثر مما سبق، أعتقد أن علينا أن نشعر- كحد أدنى بشعورين اثنين: الأول، أننا محميون بإذن الله تعالى، بحماية الله لنا، ثم برجال سخروا كل طاقاتهم وإمكاناتهم لحمايتنا، بل وقفوا مواقف الرباط يتلقون البرد والحر والظل والشمس حتى ننعم نحن بمستوى استقرار عالٍ وطمأنينة مهمة لمواصلة العمل والعطاء من أجل مستقبل أكثر ازدهاراً لنا ولوطننا. الثاني أنه في حين ننشغل - نحن- بأعمالنا ومصالحنا، فإن رجال الأمن في كل مكان على تراب أرضنا هم الذين قد عرضوا أنفسهم لمواطن الخطر من أجل أن يزول الخطر ويقطع دابره.
ولذلك فلعل المهم ونحن نتجاوز هذا المنعطف في تاريخ علاقاتنا الدولية والمحلية، أن نستوعب هذين البعدين في طبيعة العلاقة التي نشأت بيننا كأفراد ومؤسسات، وأن نتعاون من أجل مصالحنا المشتركة المتمثلة في حماية كياننا الكبير الذي نحبه ونغليه (الوطن).
ومن بعد هذ الشعور، ربما كان مهماً أن نستدرك أنه على الرغم من العمل الميداني المتواصل لهؤلاء الرجال النبلاء، إلا أن عبارات اللطف والاحترام والتوقير لا تزال هي المسيطرة على تفاعلاتهم اليومية مع الناس وبخاصة قائدو المركبات الذين يمرون من حولهم بل يسوغ لي أن أعتقد أنهم قد تلقوا توجيهات أو حضروا دورات متخصصة تؤكد على أهمية حسن التعامل مع الناس، نظراً للإيمان العميق بأن مجتمعنا المعاصر قد بات يستشعر أهمية التعامل الحسن في كل المواقف والأحوال.
وحيث استطاع رجال الأمن أن يجمعوا بين متغيرات ثلاثة: العمل الميداني الشاق من ناحية، واللطف في التعامل مع الناس بشكل عام، من ناحية ثانية، ومن جانب آخر، الحزم في مواطن الحزم، فإنهم بذلك- كما يبدوا- قد امتلكوا أهم مكونات العمل الناجح، على الأقل، من وجهة النظر المجتمعية والإنسانية التي يمكننا أن نتعامل معها وأن نحتاجها وأن نتفهمها، وبذلك ربما نؤتى من أن بيننا من قد لا يعي الدور الحقيقي لرجال الأمن أو من قد تغيب عنه القيمة الحقيقية لنعمة الأمن التي نعيشها، وأن من متطلباتها أن تبقى المؤسسات الأمنية في هذه المرحلة واعية متنبهة دائماً كما عهدناها منذ أن بدت الحاجة إلى مزيد من التنبه، فالصالح الذي يستهدفه رجال الأمن هو صالحنا، والحماية المتحققة من تفاعلاتهم اليومية هي في نهاية المطاف لنا جميعاً.
دعونا نكون ممتنين دائماً لهم ونقول كحد أدنى من الدعم والمساندة : شكرا لكم، نحن ممتنون لما تقومون به من أجلنا.
عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|