في الأسبوع الماضي وعبر مقال (عباءة الوزير) ناشدت وزير الصحة ان يتعطف بإضفاء عباءة حنانه على أبناء طبيبات وممرضات المراكز الصحية، ولم أكن أتوقع من الوزير - ذاته - أن يبادر بخلع عباءته ليغطي بها إنسانياً أبناء الوطن كافة!!
أقول ذلك بعد أن تلقيتُ من معالي وزير الصحة مكالمة هاتفية، ذات نكهة وطنية تضم بين جوانحها انتماءً لهذا البلد العزيز، حيث ابدى هموماً وزارية، وطموحات شجاعة، وحماساً نحو توطين وظائف الطبيبات والممرضات وإحلال الكفاءات الوطنية محل الوافدة من موقع الإحساس بالمسؤولية الوطنية، والشعور بأن النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة، وقد ازددت فخراً حين أشاد معاليه بسلوك الممرضات المواطنات النابع من أخلاق شرعية، وكأنه يتحدث عن اخواته، بل هن أخواته بالفعل!
وازدادت نبرة الحماس لديه وهو يبشر بتشييد مراكز صحية على مستوى تقني عالٍ، فهو يدرك ان تهيئة المكان المناسب تنعكس ايجاباً على الأداء، أما قمة الطموح لديه فهو تحقيق مشروعه الصحي الكبير الذي يتمثل في حصول كل مواطن على العناية الصحية المنشودة!!
وحقيقة.. حين يجد الكاتب التجاوب من المسؤول أياً كان مركزه الوظيفي فهذا يعني ان الصحافة ليست جريدة تُطوى بنهاية غروب شمس ذلك اليوم، بقدر ما هي صوت المواطن والمعّبر عن رأيه، والناقل الحقيقي لواقع القطاعات الخدمية، والعين الثالثة للمسؤولين المخلصين، فهي تؤدي خدمة مجانية لذلك القطاع حين يتم استثمارها للنفع العام بعيداً عن النيل وتجريح الاشخاص، والمسؤولية الوطنية ما هي إلا مصطلح مزدوج بين المسؤول والمواطن، وتبادل الأدوار يعني الرقي بالهم الوطني من درجة التذمر والشكوى الى صيغة للعمل المشترك في سبيل الوصول الى آلية للإنتاج وليس تبادل الاتهامات والنفي والاثبات طلباً للبراءة!
ولا بد أن نؤمن بأن الصحافة ليست للتدليس أو التنفيس بقدر ما هي مطالبات عامة وجادة. والكاتب عندما يركز على نموذج او حالة تحتاج للدراسة او إعادة النظر فإنه يخلع عنه قلنسوة (كاتب المعاريض) ليرتدي بزة المتحدث باسم المواطن الذي يحمل الهم الوطني والاجتماعي!
ولعل الوزير حين قرأ عن معاناة ذوات الدوامين في مقال الاسبوع الماضي توقع ان المقصود امرأة أرملة تعمل ممرضة في مركز صحي بشرق الرياض او جنوبها ولديها مجموعة اطفال وتعيش حيرة بين متطلبات وواجبات العمل وحقوق تربية أبنائها! وقد تفضل معاليه بإبداء المساعدة العاجلة لتلك المرأة!! إلا أن ما تم إيراده في المقال لا يعدو عن كونه نموذجاً، أو رمزاً لحالة عامة، وان ذوات الدوامين هن جل الطبيبات والممرضات (الأمهات) في المراكز الصحية والمستشفيات واللاتي يطالب أبناؤهن بحقهم الطبيعي منهن: تربيةً وعنايةً واهتماماً، ولا إخال الدكتور المانع إلا امرأً ينشد المواطن الصالح الذي ينهل من الأمومة التربية والتوجيه والارشاد، مثلما يرتئي - الطبيب الوزير - من الأمهات أن يقمن بالرضاعة الطبيعية من أجل صحة أفضل للطفل!! وما فساد التربية او التفريط بها والتهاون فيها إلا علة إخفاق الأمم، بل هي مرض وسقم قد لا يدخل في اختصاص وزارة الصحة، ولكنه بالتأكيد يعد أولويات اهتمام الدكتور حمد المانع الأب المربي.. والمواطن.. والإنسان!!
وإنسانية الوزير التي تبدت بقرار السماح للأطفال بزياة والديهم المنومين أو أحدهما، نأمل ان تسري بنفس التدفق والعطاء، وذلك بالسعي لتوفير الدواء لكل مريض بدلاً من شرائه من الصيدليات التجارية، وتوفير الأجهزة الطبية، والمختبرات، والأشعة، في مراكز الرعاية الأولية المساندة لعمل الطبيب، التي من شأنها أن تمكن الطبيب من الكشف المبكر للأمراض المزمنة التي يصعب شفاؤها بعد استشرائها!!
أما الخطوة المرجوة - يا معالي الوزير - فنأمل من خلالها الشروع برفع المكاتب من عيادات الأطباء واستبدالها برف صغير - بجانب سرير الكشف، إن وجد - لكتابة الوصفة فحسب. فكيف يتم الكشف على المريض والطبيب جالس على كرسي وثير يفصله عن مريضه طاولة المكتب التي يصل عرضها الى المتر او يزيد!! ولعل في تلك الخطوة اختصاراً لطوابير انتظار المرضى وقوائم الانتظار التي قد تصل لعدة أشهر!! فما عرفنا عن الأطباء إلا الاستعداد والوقوف.. الوقوف في وجه الأمراض، وما سمعنا عن الصيادلة إلا التأهب والتهيؤ لتحضير العقار وصرف الدواء، وما علمنا عن الممرضين والممرضات إلا أنهم اجنحة رحمة لمرضاهم، وما من عمل إنساني نبيل يصل لمرحلة السمو، مثل عمل الطبيب، يأتيه المريض تعصف به رياح الألم ذات اليمين وذات الشمال، فيأمل ذلك المريض من طبيبه أن يرحم ضعفه، ويحفظ سره ويكرم وفادته كما كرّمه ربه.
نناشد - أولئك كلهم - الإنسانية والأمانة والاخلاص في العمل.. فهل يفعلون؟! لنقوم - نحن المواطنين - بشكر صنيعكم.. وندعو الله أن يعينكم على تحمل المسؤولية وحمل الأمانة!!
ص.ب 260564 الرياض 11342 |