تناول الزميل الأستاذ قينان الغامدي في صحيفة الوطن بعض ما نشر عن بعض الحالات التي حدثت في المنطقة الجنوبية بخصوص مشاكل قبلية أدت إلى ما يمكن تسميته بالحسم الديموقراطي.. وخلاصة القول ان الزميل قينان الغامدي قد شجع تنامي مثل هذه الاجراءات والحالات التي تؤدي لأن تصبح مشيخة القبيلة نتاجاً لاقتراعات التصويت بين أفراد القبيلة.. وفي نفس الموضوع انبرى زميلنا العزيز الدكتور علي الموسى على ما طرحه الأستاذ قينان ورأى ان المقولة القينانية تعد خارج السياق الاجتماعي لمجتمعنا السعودي.. ورأى ان مشيخة القبيلة هي ميراث توارثته فئة أباً عن جد، وليست مثار احتكام لأحد من أفراد القبيلة، فهي ريادة اجتماعية لا ينبغي ان تخضع لأهواء من يرى غير ذلك.. وقد نتلمس العذر للأجهزة التنفيذية في امارات المناطق عندما تعجز عن حلول لمشاكل قبائلية، تنتهي إلى الصلح الديموقراطي، ليكون آخر الحلول التي يمكن أن تضعها هذه الأجهزة أمام معضلة قبلية قد تنتهي إلى انقسام القبيلة وتشتت العشائر وربما تصل إلى سفك الدماء بين أفراد اللحمة الواحدة.
هذا هو ملخص القضية المثارة من بعض كتاب صحيفة الوطن، وهي مثار نقاش يدور في المجالس، فهل كانت الحلول الديموقراطية هي الأنجح لحل هذه المشاكل العائقة؟ أم ان هذه الحلول لم تكن مناسبة، وتجاوزت ما ينبغي عمله واتخاذه من اجراء.. هذه مجرد اسئلة تحتاج إلى تفحص واستبصار وتدارس موضوعي.. ولكن أود أن أطرح هنا حالة ربما تكون هي أول حالة حسم ديموقراطي على أحد المشايخ في المنطقة الجنوبية، وتحديداً كانت أسرتنا (آل بنيوسف) طرفا فيها.. ولتوضيح ملابسات الموضوع، فإن أسرتنا لعقود طويلة هي المسئولة عن مشيخة منطقتنا، وقد توارثها الأب عن الجد.. إلى ان حدثت بعض الاشكاليات التي تحدث في أي مكان بين قبائلنا.. بعضها ذو شأن إداري، ومعظمها ذو شئون شخصية.. ثم تظهر أصوات تنادي بتغيير الشيخ.. وأصوات تقترح فلاناً أو فلاناً من الناس.. وتتنامى الأصوات وتحتد المواقف إلى ان تصل هذه الحدة إلى تداخل الأجهزة التنفيذية، وترى أن الحل المناسب والوحيد والمتاح وربما المقنع، وهو ان يحتكم الجميع إلى القوة العددية للناس.. وهكذا ينطرح البديل الديموقراطي ليكون هو الحل الأوحد لمثل هذه المشكلة.
فمن يرشح نفسه من أبناء قبيلتنا هذا هو الموضوع الذي أفرزته تلك الأحداث.. فقد انفتحت كل الترشيحات وأصبح كل من يرغب ان يتسلق هذه المشيخة في حكم المتاح، وسجلنا تراجعا تاريخيا، وتوارثا عرفيا عشنا عليه، وتربينا في كنفه.. ثم تبلورت المواقف، وطلبت الجهات المعنية ان يتحدد المرشحون، وتتبلور المواقف، ويسجل المرشحون لدى المركز الأمني في المنطقة.. فطلب الشيخ سعد (الأخ الأكبر) أن يتمسك بمشيخته بحكم توارثها من أسرته وسجل اسمه مرشحاً في هذه الانتخابات، وتبلور صوت معارض كان وراء كل الضجة التي حدثت في المنطقة وسجل اسمه مرشحاً ثانياً.. ودخل مرشح ثالث هذه الانتخابات مدعياً وسطيته ورغبته في حل الخلاف المحتدم بين الطرفين الأساسيين في اللعبة الخلافية.. وجاء يوم الانتخابات وتواردت الأصوات وسجلت صناديق الاقتراع النتائج النهائية، فقد سقط شيخ القبيلة، وفاز مرشح الوسط، وخاب ظن مرشح المعارضة.. هكذا كانت النتائج التي أفرزت أول انتخابات قبلية في المنطقة.. وربما يكون قد سبقها حالة، ولكن في ظننا انها اول حالة تسجل في المنطقة.
واليوم ونحن ننظر إلى حالات مشابهة في مناطق أخرى مجاورة، نشعر أن الخطأ الإجرائي ربما تكرر أو يتكرر.. فمشيخة القبيلة ليست منصبا إداريا يعطى، بل هو حق شرعي مكتسب عبر السنين والعقود.. وهكذا رأينا نحن في تلك الحادثة، وهكذا نراه اليوم أمام هذه الحوادث المستجدة.. وفي نظرنا - ونحن مجتهدون - أن شيخ القبيلة ليس منصبا حكوميا، بل هو مكانة وريادة اكتسبها الناس، بدون أصوات انتخابية، وبدون قرارات إدارية..
ونحن نعلم ان قوة القبيلة كان له الأثر الكبير في تماسك المجتمع العربي، وكان الشيخ هو الذي يحكم بين الناس، ويصلح الأحوال، ويوجه القبيلة إلى من تتجه، وإلى أي مسار تأخذ في زخم الأحداث المتصارعة.. وصحيح ان الدول العصرية حلت مكان القبيلة في سلطتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا ان القبيلة تظل هي الرابط الاول الذي يربط بين الأفراد، أو لنقل هو أحد أهم الروابط التي تربط بين الأفراد.. وتمثل سياجا مهما في سياجات الأمن والاستقرار دون أن يمثل هذا الرابط القبلي أي عصبية جاهلية، أو تطرفا اجتماعيا بأي حال من الأحوال..
الدكتور علي الموسى كان أبلغ تعبيراً في تحديد الحساسية التي تحيط بمثل هذا الموضوع.. وكيف ان الانتخابات لاختيار شيخ القبيلة ليست من الحكمة في شيء.. بل هي محاولة لحل مشكلة قد تتسبب هي في مشكلة أكبر.. وعندما تصبح العلاقة بين أبناء القبيلة هي علاقة إدارية (شيوخ يأتون ويغادرون)، نكون قد فرطنا في إحدى أهم اللحم الاجتماعية والروابط القرابية، التي نرانا في أشد الحاجة لها في ظل مستجدات ومتغيرات تحاول أن تنال من تماسك مجتمعنا، وتقوض أسس وحدته الوطنية.
*رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام
والاتصال
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|