في مثل هذا اليوم 19 صفر من عام 1216هجرية، فتح الأزهر أبوابه بعد أن ظل مغلقا زهاء عام بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي قام بها المحتلون الفرنسيون ضد طلبته ومشايخه بعد أن أقدم سليمان الحلبي وهو أحد طلاب الأزهر باغتيال كليبر الذي خلف نابليون بونابرت بعد رحيله كقائد للحملة الفرنسية على مصر.
وقد تحمل الأزهر تبعات الزعامة الوطنية وقيادة الأمة والوقوف أمام المعتدي حين تعرضت مصر سنة 1213هـ (1798م) للحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت؛ فلم ينخدع علماء الأزهر بمحاولات التودد وإظهار التبجيل والتقدير الذي أبداه قائد الحملة نحوهم، حيث أشعلوا ثورة القاهرة الأولى في 11 من جمادى الأولى 1213هـ (21 من أكتوبر 1798م ) والتي هاجمت الجنود الفرنسيين وفتك بهم الثوار، ولم تهدأ الثورة إلا بعد أن ضربوا الأزهر والجهات المحيطة به بالمدافع واحتلوا الجامع بخيولهم وعبثوا به، وألقوا بالمصاحف على الأرض وداسوا عليها بأحذيتهم، وسلبوا ما وجدوا من أموال الطلبة في أروقة الأزهر، وقبضوا على عدد من مشايخ الأزهر المتهمين بالتحريض على الثورة وأعدموا بعضهم.
استمر الأزهر على موقفه من التحدي ومقاومة المستعمر بشتى الوسائل الممكنة؛ فاشترك في ثورة القاهرة الثانية التي اشتعلت في 16 من شوال 1214هـ ( 20 من مارس 1800م )ودامت 33 يوماً.
ورأى كليبر القائد العام للحملة بعد رحيل نابليون أن يستعين بعلماء الأزهر للتوسط بينه وبين زعماء الثورة، غير أن هذه الوساطة لم تلق نجاحاً وقام كليبر بضرب العاصمة بكل وحشية حتى استسلمت.
وفي أثناء ذلك أقدم (سليمان الحلبي) وهو أحد طلبة الأزهر باغتيال كليبر أثناء تجوله في حديقة منزله وذلك في 21 من المحرم 1121هـ (14 من يونيو 1800م،) وأسفر التحقيق عن سؤال عدد من الشيوخ والأساتذة والقبض على عدد منهم وانتهت محاكمتهم إلى إعدام سليمان الحلبي وثلاثة ممن كانت لهم به صلات قبل إقدامه على عملية الاغتيال.
وبعد الحادث قام الفرنسيون باتخاذ إجراءات أمن مشددة في الأزهر فقاموا بإحصاء الطلبة وكتبوا أسماءهم في قوائم وأمروا بحفر بعض الأماكن بداخل الجامع بحجة التفتيش على الأسلحة وأخرجوا منه الطلاب العثمانيين والشوام.
وأحس القائمون على الأزهر أن سلطات الاحتلال الفرنسي تبيّت أمراً فرأوا تفويت الفرصة عليهم، وذلك لأن بقاء الجامع مفتوحاً في مثل هذه الظروف العصيبة لا يخلو من أخطار؛ فرأى شيخ الأزهر (عبد الله الشرقاوي) ومن معه من كبار العلماء إيقاف الدراسة في الأزهر، وتعطيل الصلاة فيه فتم إغلاق المسجد وتسمير أبوابه من جميع الجهات.
وظل الأزهر مغلقاً زهاء عام حتى إذا أعلنت أنباء شروع الفرنسيين في الجلاء عن مصر بادر القائمون عليه بتنظيفه وفتح أبوابه في 19 من صفر 1216هـ (2 من يوليو 1801م،) وحرص الصدر الأعظم (يوسف ضياء باشا) على زيارة الجامع وتفقد أحواله وسير الدراسة فيه عقب افتتاحه. وعادت الحياة العلمية والدينية إلى الجامع، وتدفق طلبته إلى أروقته يتلقون دروسهم، ومضى الأزهر في طريقه المرسوم لخدمة الدين والعربية.
|