Friday 9th April,200411516العددالجمعة 19 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ومات الدكتور عبد السلام البرجس ومات الدكتور عبد السلام البرجس
عبد العزيز إبراهيم الحقيل/المجمعة/مدرسة الملك عبد العزيز الابتدائية

في صباح يوم السبت الموافق 13-2- 1425هـ تلقيت نبأ وفاة الدكتور عبد السلام بن برجس العبد الكريم وأنا خارج من صلاة الفجر فأسرعت إلى تهدئة نفسي وحاولت بشتى الوسائل مساعدتها في تقبل هذه الصدمة وجعلت اقرأ عليها كل آيات الصبر الواردة في القرآن الكريم وكل الأحاديث التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الصبر على المصيبة سواء كانت كبيرة أم صغيرة. وبعد مشوار طويل في محاولة إقناعها بالادلة والبراهين نزلت دمعتان من عيني على خدي فوقفت حيران ما بين نفسي ومصيبتي وكأني غريق تتجاذبه الأمواج، تارة تهدأ نفسي وأخرى يخيم عليها الحزن فتنطلق عيناي بالدموع، كنت أقول لنفسي: يجب على الرجل أن يكون كالأشجار الكبيرة تميل مع العواصف ولكنها لا تنكسر.
أقولها حقيقة: إن حزني عليه ليس من أجل أنه مات فالموت طريق كل حي طال عمره أم قصر وأهم من هذا أن الموت قضاء وقدر ولا اعتراض على قضاء الله وقدره ولكن الذي اثار شجوني وأحزن قلبي أنه كان شاباً صاحب علم وعقل خدم الدعوة والإسلام بمؤلفاته ومحاضراته في عمره القصير خدمة نافعة مفيدة فتمنيت أن لو طال عمره فيكسب بذلك أجر الدنيا وأجر الآخرة.
لقد احزنني موته لأنه كان في صغره شعلة ساطعة في ظلام الليل الدامس فلما كبر وصار قرة عين والديه في مركزه الاجتماعي وفي صلاحه وفي تدينه وعلمه اختطفته يد المنون فجأة؛ ففقدا بذلك مستقبلاً مشرقاً لحياتهما بنياه على مستقبل ابنهما فخسرا الشيء الكثير بموته فانطفأت شمعة كانت تضيء لهما الطريق. حزنت على موته لأن والديه كلما تصورا شخصه ماثلا امام اعينهما وكلما تذكرا صوته اغرورقت عيونهما بالدموع، تلك الدموع التي قال عنها المعتمد بن عباد:


وليس الذي يجري من العين ماؤها
ولكنها نفس تذوب فتقطر

لقد ذكرني موته ورؤية والديه وقد فقدا ابنهما الذي ذهب شره وأقبل خيره؛ فكان فخراً لهما ولأسرتهما عند الناس، بأبي ذؤيب الهذلي حينما فقد اربعة من أبنائه فقال عنهم:


ولقد حرصت بأن أدافع عنهم
وإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
فالعين بعدهم كأن جفونها
كحلت بشوك فهي دوماً تدمع
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع

ومهما قلت عنه من كلمات الرثاء لكي أسلي نفسي بها فإن هذه الكلمات لن تعطيه حقه ولن تهدئ نفسي عن حزنها؛ فقد ظل اسامة بن منقد يرثي بلده وفيها جميع اسرته المنكوبة بالزلزال الذي اصاب دمشق عام 522هـ فهلك جميعهم؛ حتى جمع كتابا سماه (المنازل والديار) بلغ عدد صفحاته اربعمائة وثمانين صفحة جمع ما فيها كل ما قيل من الشعر في ذكر خراب الديار ورثاء الأحباب، ومع ذلك لم تهدأ نفسه ولم يذهب حزنه؛ حيث قال في مقدمة كتابه عن الزلزال: فما عرفت داري ولا دور إخوتي ولا دور اعمامي وبني عمي وأسرتي؛ فبهت متحيراً مستعيذاً بالله من عظيم بلائه وانتزاع ما حوله من نعمائه، وما اقتصرت حوادث الزمان على خراب الديار دون هلاك السكان، بل كان هلاكهم أجمع كارتداد الطرف أو أسرع؛ فاسترحت إلى جمع هذا الكتاب وجعلته بكاء للديار والاحباب وذلك لا يفيد ولا يجدي. ا. هـ.
ولقد حمدت الله حمداً كثيرا على أنه حينما اراد قبض روحه أنه لم يقبضها بسبب جريمة يشوه بها سمعة أهله وأسرته ويكون موته بهذه الطريقة علامة من علامات سوء الخاتمة - أعوذ بالله منها، وإنما جاءه قدره المحتوم وهو نظيف من الدنس، وهذا كل ما يتمناه كل إنسان لكل عزيز عليه غالٍ عنده. ندعو الله له في آخر هذا المقال أن يتغمده برحمته وأن يتجاوز عن سيئاته وأن يحشره مع الصديقين والشهداء وأدعو الله لوالديه أن يلهمهما الصبر والسلوان؛ إنه سميع مجيب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved