ماذا عساني أن أقول وقد شاء المولى عز وجل أن يرحل عنا أخ عزيز وصديق كريم وزميل حبيب قضيت معه أكثر من خمسة وثلاثين عاماً في رحلة علمية وثقافية ودعوية وزمالة في الرياض والولايات المتحدة ومكة وجدة والطائف؟!
ان رحلتي مع الراحل القريب الى القلب الدكتور عبدالقادر بن طاش محمد كانت رحلة عمر عرفت فيها خصاله الكريمة وأخلاقه النبيلة ودينه القوي وتمسكه بمبادئه الاسلامية في عزم وسماحة وفهم والتزام.. لقد مرت بي في صحبته مواقف وأحداث كانت كفيلة بأن تكشف عن معدنه الأصيل وما منحه الله تعالى من عزم وطموح وحسن خلق ووداعة قلما رأيتها في كثير من الرجال.
وكان عبدالقادر يشيع روح الإخوة والألفة على من حوله ويرحب بزائره سواء كان في منزله ام في مكتبه، اذا زرته شعرت انك لاتريد المغادرة لحسن ما تلاحظه من كرم النفس وجود اليد.. ما أذكرُ انه رد سائلاً سأله شيئاً، ولم اتذكر انه كلف احداً امراً يشق عليه.. كان هو يحمل المشقة ويتحمل الآلام لإسعاد غيره.
أعرفُ من حياته الأسرية ما لا يعرفه كثير من الناس، فعبدالقادر طاقة حب تتفجر ينابيعها بين الاسرة والاقارب.. احبته زوجته ام عادل حباً ما عرفت مثله بين رجل وزوجته.. لقد عاشت معه اجمل الايام واصعبها كانت تثق فيه وترى فيه الاب والام لها حينما فقدت اباها مبكراً وامها وهي لا تزال مع زوجها في امريكا يطلبون العلم وينظرون بابتسام الى المستقبل.. رحلت معه الى بلاد كثيرة وهو يحنو عليها ويقدرها ويعاملها بنبل واحسان.. لقد تعلق به اولاده الدكتور الطبيب عادل والاداري اللامع خالد وبناته الاربع وابنه الجزع عبدالعزيز تعلقاً شديداً.. كان إذا دخل بيته أشاع السرور في جنباته رغم أنه استماعه كان اكثر من كلامه، وابتسامته لاتسمح لتجهم ان يظهر على شفتيه كان يداعب اولاده الصغار بكلمات حنونة يناديهم بها بعد سلامه عليهم فترددها ارجاء المنزل تحية وحبوراً، كان يكرم البنات والبنين ويوجههم بلطف وحنو عجيبين.
اما موقفه مع والديه وموقفهما معه فحدث ولا حرج عن حسن تلك العلاقة ومكانة ذلك الموقف لقد كان اكبر اخوانه الاثني عشر من البنين والبنات.. كانت والدته ولاتزال تعده تاج رأس الأسرة يقول احد اخوته رغم عظيم تقديره له : (ما ادركت حجم الفاجعة فيه الا بعد رحيله.. غادر ولم اتشبع من اخلاقه وتوجهاته وحسن تعامله بعد).. اما والده الذي كبر سنه وشاب شعره فإنه يعده اباه، ويفخر به عند حديثه في كل مجلس.. لقد كان فقده على والديه عظيماً ومصابهم فيه جللاً بلا ريب.
لا يمكن لي ان أسجلَ ما مررنا به من مواقف رأيتُ فيها صبره وايمانه الذي يتجلى عند اشتداد الامور.. مرت مواقف صعبة على اسرته فما تضعضع ولا رفع صوتاً ولا أبدي تذمراً بل كان يقول حسبنا الله ونعم الوكيل بهدوء واطمئنان.
لماذا أتحدثُ عن حياته الشخصية واترك حياته العامة التي حفلت بالاعمال الجليلة والطموحات المثالية رغبةً في إعلاء كلمة الله والدفاع عن قضايا المسلمين والعيش مع آمالهم وآلامهم.
لقد أردت أولاً ان ابين جانباً شخصياً لا يعرفه من الناس الا القليل حتى اقول ان الداعية يصنع الكثير بحسن خلقه الى جانب إلى جانب علمه الرصين وحسن استقامته على امر الدين.
لقد حاز اخونا الحبيب عبدالقادر ولا نزكيه على الله تعالى قدراً كبيراً من كل ما سبق فجمع بين العلم والاستقامة والاعتدال وحسن الخلق فقد احبه اخوانه وزملاؤه في الدراسة والعمل وكل منهم يرى فيه خصلة قلما يجدها في غيره، ولعل هذا هو سر حب كثير من الناس له، لقد سرني وأذهلني أيضاً ما رأيت وسمعت من تعزية الناس بعضهم لبعض في فقده، فهؤلاء العلماء يعزون، وهاهم الأمراء يتألمون وهاهم زملاؤه يذكرونه بأحسن ما يذكرون به ميتاً، وهاهم الدعاة يذكرونه في ميادين الدعوة، هاهي مؤلفاته التي تزيد على عشرة كتب ومئات المقالات والأعمدة في الصحف والمجلات وهاهي برامجه التلفازية تشهد له بما كان يدعو اليه كان يريد نصر الامة ورفع راية التوحيد كان مفخرة للبلاد ويحسن تمثيلها اينما ذهب فنعم عبدالقادر من داعية ونعم عبدالقادر من انسان.
اللهم عوضنا في فقد أبي عادل خيراً وأسبغ عليه وافر نعمتك وتغمده بواسع رحمتك ووسع مدخله وأكرم نزله.. اللهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.. اللهم جازه عن أمته التي أحبها واهتم لها، خير الجزاء.. اللهم جازه عن وطنه الذي أحبه وبذل له عمره وماله وعمله، أحسن الجزاء.. اللهم تقبله في الشهداء.. اللهم ألهم أهله الصبر والاحتساب واجبر كسرهم وعظم أجرهم واجمعنا وإياهم به في مستقر رحمتك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. ولله الحمد مع ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.
|