منذ أن اندلعت الحملات المسعورة، التي تتهم مناهجنا التعليمية بزرع بذور التطرف والإرهاب في نفوس الطلاب، شمر الكثيرون من الكتاب والمثقفين والمفكرين، وحتى الفنانون، عن أذرعهم وسيقانهم للرد على هذه الاتهامات والافتراءات، دافعهم الرئيس هو تبرئة مناهجنا التعليمية من دعم الإرهاب وتغذيته، وتفنيد الدعاوى المغرضة الجاهلة في هذا الشأن.
ولا شك أن رد هذه التهمة الباطلة عن مناهجنا واجب على كل مَن درس هذه المناهج في مراحل التعليم المختلفة، لكن الغريب أن التربويين -وهم الأكثر معرفة ودراية بهذه المناهج ومحتوياتها وطرق تدريسها وأهدافها- غابوا عن خط الدفاع الأول عن مناهجنا، على الرغم من أنهم الأولى بذلك من غيرهم.. لكن لماذا غابوا؟ وما هي النتائج المترتبة عن هذا الغياب؟ وهل من بين هذه النتائج إعطاء هذه الاتهامات الباطلة لمناهجنا قدراً من المصداقية؟ وغيرها من الأسئلة التي تبادرت إلى ذهني وأنا أطالع كتاب (معالم السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية ودور مناهجنا في إشاعة ثقافة السلام والتسامح) الذي أهداني إياه مؤلفه الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالرحمن الحقيل أستاذ التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكتب مقدمته معالي الأديب التربوي الدكتور عبدالعزيز الخويطر، يتعرض لأبرز معالم السياسة التعليمية بالمملكة المستمدة من الثوابت التي قامت عليها بلادنا، وما أن بدأت في قراءته حتى أدركت أهمية أن يكون التربويون في طليعة الصفوف عند الرد على أية اتهامات تتعلق بالمناهج أو التعليم عموماً، فهم الأقدر على ذلك من غيرهم؛ لأنهم يمتلكون الأدلة القاطعة على تبرئة مناهجنا، ولأنهم الأكثر قدرة على العرض السليم والمنطقي لهذه الأدلة من خلال ما يمتلكون من خبرة بهذه المناهج، وإلمام متخصص بجميع محاور العملية التعليمية.
فالكتاب يقدم وثيقة قانونية وعلمية وأخلاقية على كذب جميع الافتراءات التي تحاول الربط بين مناهجنا التعليمية والإرهاب، بل وتؤكد أن مناهجنا المستمدة من تعاليم الإسلام تكريس لثقافة السلام والتسامح والمحبة والعدل، من خلال طرح أكاديمي علمي، لا ينطلق من مجرد الحماس والعاطفة الذي يغلف الكتابات الكثيرة من قِبَل غير المختصين، والتي توافرت لها فرص من خلال وسائل الإعلام بدرجة أكبر مما هو متاح للتربويين.. وهذا ما قد يفسر غياب التربويين عن ساحة المواجهة، فهم لم يغيبوا فعلاً، بدليل هذا الكتاب الرائع الذي أنجزه د. الحقيل، لكنهم غُيِّبوا بتجاهل وسائل الإعلام لدورهم، على الرغم من أن التربويين هم الأساس الذي يجب أن تقوم عليه استراتيجية المواجهة، بينما الإعلام بكل وسائله قنوات لتوصيل رسالتهم وآرائهم.. فهل آن الأوان لأن نعطي التربويين فرصة الرد على ما يُثار ضد مناهجنا من اتهامات، وهم قادرون على ذلك بالفعل والأولى به؟
إنني أدعو كل منصف أن يقرأ كتاب د. الحقيل ليتأكد من أن التربويين الواعين هم الأجدر بأن يقفوا في مقدمة الصفوف لمواجهة مَن يتهمون مناهجنا بالإرهاب، بل وأدعو إلى ترجمة هذا الكتاب وغيره من كتابات التربويين العقلانية المنصفة إلى اللغات الأجنبية؛ ليعرف العالم كذب وتدليس ما يُقال عن مناهجنا والإرهاب.. ويدرك الآخرون أن مناهجنا المستمدة من ديننا هي الأكثر انحيازاً وترسيخاً لكل القيم الإنسانية النبيلة.
|