*د. عاطف معتمد عبد الحميد (قسم الجغرافيا-كلية التربية-جازان):
التنمية السياحية لجزر فرسان
تعتبر جزر فرسان من منظور معدلات التنمية البشرية منطقة بكرا من الدرجة الأولى. ويواجه هذه المنطقة تحد كبير يتمثل فى كيفية المواءمة بين مشروعات التنمية والتوازن البيئى فى منطقة شديدة الحساسية كمناطق الجزر البحرية. وإذا ما قيمنا مشروعات التنمية الحالية يمكن أن نسجل الجوانب الإيجابية التالية:
*****
1- ترتبط جزر فرسان بساحل جيزان الرئيسي بخط مواصلات بحري يعتمد على قطعة بحرية تنقل أكثر من 250 مسافرا بأمتعتهم وسياراتهم الخاصة تبحر فى السابعة صباحا من جيزان ، ويقابلها فى نفس الموعد رحلة أخرى تقلع من ميناء فرسان إلى ميناء جيزان. ويضطر من يتأخر عن هذا الموعد أن يلجأ إلى لنشات خاصة تقله كما انه لا توجد رحلة عودة إلا فى اليوم التالى ويرجع السبب فى ذلك إلى طول الفترة الزمنية ( ثلاث ساعات) مقارنة بقصر المسافة ( 40 كم). ومن اجل تطوير الحركة إلى الجزر وتشجيعها ينتظر أن تتطور وسائل النقل وفى هذا الصدد يمكن الاعتماد على قطع بحرية أصغر تقل المسافرين دون سياراتهم مع الاحتفاظ بالعبارة الكبرى لنقل المسافرين ذوى السيارات والأمتعة ، وسيحقق هذا مزيدا من التدفق السياحى للشباب الذين يطمحون إلى تمضية عطلة نهاية الأسبوع فى وقت قصير. ومن الملاحظ أن ميل الأفراد والأسر الى زيارة فرسان بسياراتهم الخاصة هو ضعف إمكانات النقل الداخلى إلى مناطق الشواطئ والمعالم السياحية الأخرى. ويمكن تغيير هذا المفهوم بتوفير سيارات أجرة تقل السائحين الى المعالم السياحية الطبيعية. وفى هذا الصدد أبان الاستبيان الشفهي للباحث على ظهر العبارة ان بعض المسافرين لايعرفون بالضبط إلى أين يذهبون فى فرسان وهو ما يمكن تلافيه بالاعتماد على خبرة السائقين المحليين الذين يمكن ان يقلون السائحين ويقومون بدور المرشد السياحى فى ذات الوقت.
وعلى مستوى النقل الداخلى فى جزيرتى فرسان الكبرى والسقيد فإن الطرق البرية على درجة عالية من الجودة وهى مجهزة لمواجهة أخطار السيول وذات إرشادات مرورية واضحة ولا تعانى أخطارا جيمورفولوجية بالمنطقة.
ويعتبر ربط جزيرتى السقيد وفرسان الكبرى بجسر برى منذ نحو 20 عاما خطوة مهمة للانتقال بينهما. ويحسب لتخطيط هذا الجسر تصميمه بطريقة سمحت لاستمرار التيار الشاطئي Longshore drift بالتدفق على طول سواحل الجزيرتين بطريقة شبه طبيعية. وكان للاعتماد على الفتحات الكبيرة بين دعائم الجسر اختياراً موفقا بدلا من مد جسر مصمت يغلق الطريق على حركة التيارات البحرية والذى كان من الممكن أن يؤدى إلى تغيير فى النظام البيئى لطبيعة الإرساب والنحت على السواحل المحيطة بالجسر. وإن لم يمنع ذلك من حجز نسبى لقوائم الجسر لحركة المياه البطيئة فى هذه البيئة الضحلة من خور المعادى وخليج هدار؛ وهو ما انعكس على ظهور معالم إرسابية جديدة على المنطقة على رأسها اللاجونات Lagoons والألسنة الرملية Sand spits والحواجز Bars والسبخات على السواحل الشرقية لخور المعادى والغربية لخور هدار.
وفى دراسة سابقة للباحث ( عاطف معتمد عبد الحميد 2001 ) تناولت جيمورفولوجية منطقة حلايب على الحدود المصرية السودانية كان لمد جسر مصمت بين خط الساحل وجزيرة حلايب أثره الجيمورفولوجى الكبير ليس فقط فى نمو ظاهرات إرسابية عديدة فى المنطقة التى حجز فيها التيار الشاطئى Up drift بل وفى تعرض انصراف التيار الشاطئ Down drift إلى نحت بحرى أثر على أكثر الشواطئ أهمية من المنظور السياحي.
وفى عرضه لما أصاب بعض مناطق من جزر فرسان من تغير بيئى نتيجة مد الطرق ، أشار الوليعى (1997 ص 199) إلى ما تعرض له خليج صغير عند الميناء القديم لجزيرة فرسان كانت فيه أشجار شورة كثيرة ونتيجة لشق طريق فقد بنى سد وترك أنبوب واحد فقط لحركة المياه وهذا أدى إلى أن الماء الذى يمكن عبوره مع هذا الأنبوب فى حالة المد قليل جداً، ونتيجة لذلك ماتت معظم نباتات الشورة فى ذلك الموقع ما عدا الأشجار التى يصلها الماء عبر الأنبوب ، وقد تم فتح السد جزئياً وبدأت الأشجار تستعيد نموها تدريجياً. ويرجع السبب فى موتها بالإضافة إلى قلة الماء زيادة نسبة ملوحة التربة الطميية.
أما نقطة الضعف الرئيسة فى سبل الانتقال فى جزر فرسان فهى اقتصار السياحة على جزيرتى فرسان الكبرى والسقيد. فعدم وجود طرق ملاحية بين فرسان وباقى الجزر يجعل التعرف على باقى جزر الأرخبيل للسائحين متوقف على تصفح الخرائط فحسب. وفى هذا الصدد يعتقد ان إيجاد مرسى بجزيرة فرسان لنقل السائحين الى باقى الجزر ضرورة سياحيةمهمة.
ويكفى أن محاولتنا لإتمام الدراسة الميدانية على هذه الجزر قد باءت بالفشل لعدم تمكننا من الوصول الآمن إلى جزر المنطقة فى ظل غياب وسائل نقل بحرية.
2- تواجه السواحل الغربية لجزر فرسان خطر النحت والتراجع أمام ديناميكية متصلة من تعاقب المد والجزر الذى يترك آثاره البالغة فى تكوين فجوات المد التى تتعمق فى داخل الصخر لمسافة قد تصل إلى 10 أمتار وتؤدى فى بعض الأحيان إلى تشكيل ثقوب انفجارية Explosive holes فى أسطح الجروف التى يعقبها انهيار الجروف وتراجع ساحل الجزيرة. وتمثل هذه العمليات المتتابعة من تراجع السواحل خطرا جيمورفولوجيا على المنشآت السياحية المزمع إنشاؤها فى المنطقة كما تهدد الآن المنشآت المدنية الأخرى كما هي الحال فى وقوع محطتي التحلية والكهرباء على أسطح هذه الجروف تحت طائلة الخطر بسواحل خليج جنابة.
وفى هذا الصدد يوصى بالتكليف بالقيام بدراسات لهندسة الشواطئ تعنى بتحديد معدلات النحت السنوية وسبل مواجهة هذا التراجع دون الانتظار إلى وصول الجرف إلى مرحلة الشيخوخة وتكوين جيوب شاطئية. وحتى يتحقق ذلك يوصى بعدم إقامة منشآت سياحية أو عمرانية على أسطح الجروف التى تواجه خط التراجع.
3- تطوير سياحة الغوص فى المنطقة لاستغلال التنوع البيولوجى Biodiversity للجزر وخاصة فى بيئة الشعاب المرجانية.
4- تنظيف الشواطئ بشكل متتابع خاصة فى فترة الذروة السياحية ، وتعتبر الأعشاب البحرية ومخلفات البحر أهم الملوثات الطبيعية فى الجزيرة وهى ملوثات يسهل جمعها وتنقية الشواطئ منها. ويتوقف ذلك بالطبع على شركات الاستثمار السياحى التى سيوكل إليها بتخطيط المناطق الشاطئية والاستعانة بشركة خدمات تقوم على تنظيف الشاطئ من المخلفات البحرية بشكل دورى.
5- التوعية الثقافية لزوار الجزر للمواءمة بين التعامل مع جزر فرسان كمنتجع سياحى وكمحمية طبيعية فى ذات الوقت. وفى هذا الصدد فإن تعميم قوانين تحريم الصيد وقطع النباتات وتجنب تلويث الشواطئ وتقنين الصيد فى مناطق الشعاب المرجانية لحمايتها تبدو ضرورات ملحة قبل فتح الباب على مصراعيه أمام التدفق السياحي إلى الجزر.
6- التوسع فى إنشاء الخدمات الفندقية السياحية لمواجهة ارتفاع أسعار هذه الخدمات فى الوقت الحاضر وهو الأمر الذى لا يشجع على البقاء لفترات طويلة فى الجزيرة فى وقت تبلغ فيه الغرفة فى فندق 3 نجوم 400 ريال فى الليلة. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى ضرورة توزيع الفنادق والخدمات السياحية داخل الجزر وبعيدا عن الشواطئ حفاظا عليها من التكدس والضغط البيئى مع مد مدقات ( وليس طرق مسفلتة) إلى الشواطئ تتفق مع طبيعة الأرض ولا تمثل تغييراً فى طبيعتها.
وفى هذا الشأن نجد ان من أهم مشكلات السياحة فى جزر فرسان هى قصر فترة البقاء فى الجزر ، فعلى الرغم من إمكانات المنطقة إلا أن المدة التى يقضيها الزوار عادة ما تكون اقل من يومين لدى 33 % من السائحين وبين يومين وأربعة أيام لدى 45 % منهم( على العريشي واحمد نهارى 2000 ص 29 ) وحينما نقدر المسافة البعيدة لجزر فرسان بالنسبة للسائحين من المنطقة الشرقية او المنطقة الغربية والشمالية سنكتشف ان البقاء لهذه الفترة القصيرة مع طول مدة السفر وتكبد مشقة العودة على طرق طويلة يعد من اكبر عوائق السياحة فى فرسان.
وقد يكون حل هذه المشكلة بتسهيل الخدمات الفندقية وتنويع أشكال السياحة فى المنطقة أو القبول باقتراح إنشاء مطار سياحى بالجزيرة. كما ينتظر ان يؤدى استكمال المشروعات الخدمية بالمنطقة وعلى رأسها توصيل الكهرباء الى باقى مناطق جزيرتى فرسان والسقيد والتوسع فى خدمات الاتصالات وتدعيم شبكات الهاتف الجوال الى تشجيع التدفق السياحي إلى المنطقة. وعلى مستوى الخدمات الصحية تعد مستشفى فرسان العام مركزا طبيا رفيع المستوى يمكن أن يؤدى دورا بارزا فى تشجيع السياحة بالمنطقة ، على ان تنشئ مراكز طبية على مقربة من مناطق الشواطئ وتجمع السائحين.
7- ستواجه جزر فرسان مشكلة تتعلق بالعادات الاجتماعية والتجمع السياحى على الشواطئ. فالقطاعات الشاطئية الصالحة للسياحة لا تزيد نسبة أطوالها على10 % من شواطئ جزيرة فرسان الكبرى وحوالى 5. 5 % من شواطئ السقيد و 6 % من شواطئ جزيرة قماح ( وزارة الشؤون البلدية والقروية 1415 هـ ص 22 ). وسيؤدى هذا - مع انتظار تدفق مزيد من الأفواج السياحية إلى الجزر بزيادة الدعاية إليها- إلى تداخل مناطق التجمع العائلى على الشواطئ. وأخذا فى الاعتبار طبيعة المجتمع السعودى الذى تميل سلوكياته السياحية إلى الخصوصية الشديدة فإن ذلك يعنى ضرورة ترك مسافات بينية بعيدة بين كل أسرة وأخرى وهو ما يعنى عدم كفاية الشواطئ لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السائحين.
ويدفعنا هذا الى البحث عن شواطئ إضافية وهى الشواطئ المختلطة بالأعشاب والطحالب ويكثر بها وجود القواقع والأحياء المائية الدقيقة. وتنتشر على بعض من قطاعاتها شجيرات تتصيد الرمال وتكون نباكا وفرشات رملية فى منطقة الشاطئ الخلفى. وتحتاج هذه الشواطئ كما أشرنا من قبل إلى أعمال صيانة لتنقيتها من هذه الملوثات الطبيعية، أو تقليب الفرشات الرملية وإزالة الحشائش منها مع تسوية للرمال وصيانة دورية وقد نجحت هذه التجربة نجاحا كبيرا فى المناطق السياحية فى منطقة الساحل الشمالى الغربي فى مصر حيث أزيلت الكثبان الرملية فى منطقة الشاطئ الخلفى Back shore وسويت وثبتت بالمياه وزرعت ونقلت إليها تربة صالحة. ويبلغ أطوال هذه الشواطئ نحو 50 % من جزيرة فرسان الكبرى ونحو 54 % من جزيرة قماح ( وزارة الشؤون البلدية والقروية 1415 ص 25 ).
8- لابد من تنويع العرض السياحى وعدم تركيزه على سياحة الاستجمام ، فالإمكانات الأثرية والثقافية فى جزر فرسان تستأهل تنسيق الزيارات السياحية. ولعل ما جمعه إبراهيم عبد الله مفتاح (1990) حول الجانب الثقافى والتاريخى يعد جهدا حميدا للتوعية بإمكانات جزر فرسان تاريخيا وثقافياً. وعلى رأس هذه المزارات السياحية : قلعة لقمان ، وآثار غَريّن وبقايا آثار العثمانيين والأدارسة وغيرها. وإذا ما استثنينا اللافتات الحكومية التى تنبه إلى أهمية هذه المناطق الأثرية وعدم العبث بها ، فإنه لا توجد اية معلومات يمكن للسائح ان يقرأها ليفهم تاريخ هذا الاثر وأهميته!
9- ضرورة استغلال منطقة الساحل وبصفة خاصة ما هو موجود بالجزيرة من سبخات فى إنشاء بحيرات اصطناعية لتنمية السياحية بحيث تضاف مساحات جديدة من الشواطئ على حساب اراضى ضائعة تمثلها هذه السبخات والأراضى الرطبة ، ومن افضل الأمثلة على ذلك الظهير الداخلى لخور المعادى.
10- التغلب على مشكلة قصور الإعلام السياحى لجزر فرسان وقد أظهرت بعض الدراسات التى اعتمدت على استبيان لزائري جزر فرسان أن وسائل الإعلام ( تلفزيون ، إذاعة ، صحف ) لم تكن مصدرا لتعريف السائحين بجزر فرسان إلا لدى نحو 30 % منهم ، بينما شغفت الأغلبية ( 60 % ) بجزر فرسان عبر ما سمعوه من أصدقاء جاءوا الى فرسان من قبل. واجمع أكثر من نصف الزائرين (حوالى 58 % ) على أن البرامج الإعلامية عن إمكانات السياحة فى فرسان إما محدودة للغاية أو معدومة كليا. والمشكلة الأكبر أن التوعية بجزر فرسان ما زالت لاتصل إلى كثير من مناطق المملكة. وفى إجازة عيد الفطر ووقت الشتاء البارد فى غالبية أماكن المملكة فإن 44 % من السائحين كانوا من منطقة جازان أى ان غالبية مصدر السائحين هو مصدر داخلي و 40 % منهم من منطقة عسير المجاورة والنسبة الباقية من جدة ( على العريشي واحمد النهارى 2000 ص 23-26 ).
11- تنمية مفهوم السياحة البيئية فى جزر فرسان. فقد شهدت مفاهيم السياحة فى العقدين الأخيرين ظهور مفهوم السياحة البديلة Alternative Tourism التى قصد بها السياحة الى لاتهمل الأبعاد الاجتماعية والايكولوجية للمقصد السياحي خلال تركيز المشروعات السياحية على الربح وتسويق المنتج السياحي. وقد تطور هذا المفهوم فى السنوات العشر الأخيرة ليعرف باسم السياحة البيئيةEcotourism التى تعنى السفر إلى مناطق ذات حماية طبيعية من مخاطر التلوث وذات إمكانات بيئية متنوعة تحث زائريها على الدراسة والتأمل جنبا إلى جنب مع الاستمتاع باللاندسكيب الطبيعي وعناصره النباتية والحيوانية فضلا عن المنجزات الحضارية المنسجمة مع البيئية.
|