منذ سنوات كثيرة خلت وقبل أن يتولى مهام منصبه رئيساً لشركة الغاز ثم أميناً لأمانة الرياض كان معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم مديراً عاماً للتعليم بمنطقة الرياض. وتاريخ الشيخ النعيم حافل بالإنجازات ويشهد له بالنشاط المتميز في أي مجالٍ يتولى مسؤوليته. ومن ذكرياتي معه في تلك الحقبة التي كنت فيها معلماً تحت إدارته أنه في نهاية إحدى السنوات الدراسية وقبل أن تبدأ اختبارات تلك السنة.. تلقيت خطاب تكليف لأكون مراقباً في إحدى لجان اختبارات الكفاءة المتوسطة. ونظراً لظروف أسرية خاصة كنت أعيشها أردت أن اعتذر عن هذه المهمة رغم ما كان بها من عائد مادي مغرٍ آنذاك. فقدمت خطاب اعتذار للإدارة شرحت فيه ظروفي.. فلم تستجب الإدارة وجاء الرد بالرفض وأن عليّ تنفيذ الأوامر. فأشار عليّ مدير المدرسة أن أقابل مدير التعليم شخصياً وأشرح له ظروفي وهو بالتأكيد إذا ما سمع مني مبرراتي سوف يقتنع ويعفيني. فعملت بنصيحته وذهبت مبكراً لإدارة التعليم وكان ذلك أول أيام الامتحانات. وعندما وصلت باب مبنى الإدارة الخارجي سمعت صوت الشيخ عبدالله ملعلعاً.. فأردت التراجع والانسحاب.. وإذ به يلحظني من بعيد وينادي بأعلى صوته: تعال يا أستاذ. فذهبت إليه فسارع يقول لي: هيا اركب.. اركب.. وأخذني من ذراعي ودفعني إلى صحن سيارة (ونيت) ثم اتجه لثلاثة أشخاص قادمين في أول الشارع.. فأخذ يستحثهم على السرعة في المشي.. وكان يقول: (هيا افزعوا يا إخوان افزعوا تكفون) فركبوا ثلاثتهم في (الونيت) فأصبحنا أربعة. فقال الشيخ عبدالله للسائق: اذهب بهم إلى لجنة المتوسطة الثانية بشارع العطايف. فانطلقت بنا السيارة بأقصى سرعة.. وما ان وصلنا حتى استقبلنا رئيس اللجنة بكل حفاوة وترحيب. وقال لي رئيس اللجنة دون أن يعرف حتى اسمي: أنت اذهب إلى صالة 3 وبدأ في توزيع رفاقي بالونيت على باقي اللجان. فقال له أحدهم: (يا أخي إحنا مش معلمين مدرسة!!) قال رئيس اللجنة باستغراب: أنتم ماذا؟
قالوا: (احنا معلمين مطبعة.. يعني نشتغل في المطبعة الخاصة المجاورة لإدارة التعليم) فأسقط في يد رئيس اللجنة وتركهم يغادرون بعد أن تأكد أن مدير التعليم كان يظنهم مدرسين لم يكلفوا في أعمال الامتحانات.. ثم أقبل عليّ مسرعاً يسألني.. هل أنت مدرس أم عامل مطبعة؟! فأجبته: ليتني عامل مطبعة لأنفذ بجلدي.. للأسف أنا مدرس.. وأنا تحت أمرك!!.
|