إن أهل الكتاب يقفون بالمرصاد ضد الإسلام، ويودون تحويل المسلمين عنه، حسداً من عند أنفسهم، واليهود أشد عداوة وأكثر بغضاً للإسلام وللقرآن الكريم، الذي حاولوا مراراً تعديل آيات فيه، ولكن الله حفظ كتابه عنهم وعن غيرهم، حيث أبانت آية في سورة المائدة أن عداوتهم متأصلة أشد من عداوة المشركين عبدة الأوثان, فاتجهوا إلى النصارى ليوغروا صدورهم ضد المسلمين، وليعينوهم في نواياهم السيئة على مبدأ ( أنا وابن عمي على البعيد..) والبعيد في نظرهم الإسلام وأهله..
والكتاب الذي بين أيدينا, يبين تخطيط النصارى وأعمالهم ضد المسلمين ورغبتهم تحويلهم عن دينهم إلى الكفر حسداً من عند أنفسهم, كما بين الله ذلك عنهم في مواقف عديدة من القرآن الكريم.. ولله في ذلك حكمة بالغة.
ونرى المؤلف يتصفح بعضاً من تلك البحوث المقدمة في مؤتمر (كولو رادو) ليوضح للقارئ ما تكنه صدورهم حتى يأخذ للأمر أهبته، فيقول في الدعوة إلى التنصير الجماعي: إن المنصرين في هذا المؤتمر قد وجدوا في أساليبهم القديمة: ضعفاً وعجزاً وقصوراً، ويريدون تغييرها، فمثلاً:
- ينتقدون تصريحات (زويمر) في أسلوب التنصير, حيث أحدثت رد فعل قوي لدى المسلم، فاستعصى تنصيره.
- ويرون: أن الواجب اخراج المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله, ولا صلة تربطه بالأخلاق.
- ولكي نحول المسلم عن دينه: فلا بد من وجود أزمات معينة، ومشكلات، وعوامل اعداد وتهيئة تدفع الناس للنصرانية.
- لقد استطعنا تحويل مجموعات كبيرة للنصرانية في اندونيسيا وغيرها، من خلال التحولات الاجتماعية والثقافية والفقر، حيث أوجدنا درجة كبيرة من السخط أمام مجموعة شعرت أنها محرومة, فحركنا ذلك لصالح ما ندعو إليه فتحولت مجموعة كبيرة بذلك.
- هناك عقبات يجب الاهتمام بها والدفاع عنها، مثل فشل النصرانية في التغلغل الاجتماعي عند المسلمين، عقوبة المرتد لمن يتنصر أو عقوبة النبذ الاجتماعي على أقل تقدير، ولا يريدون النصارى الاسميين، بل التجمع النوعي، الاهتمام بمن تنصر والدفاع عنه، والتركيز على المناطق التي تكون أوضاع المسلمين فيها مشجعة على التحول إلى النصرانية والاهتمام بأمورهم.
- التركيز في المجتمعات الإسلامية على الأفراد القادرين على التأثير على المجموعة، ودعمهم ليساعدونا في ادخال مجموعاتهم للنصرانية.
- ويبرهنون على ذلك بأن انتشار الكتاب المقدس في إندونيسيا به تنصرت مجموعات بأكملها، وفي بعض الأماكن حولوا 25 مسجداً لكنائس.
- التفتيش عن المجموعات المتجانسة، والبحث عن الوحدات الفرعية في البلد الواحد، لأنها ضعيفة فتحتاج لاغرائها بالنصرانية مع الدعم والتأييد.. وفي هذا فإن علينا أن نبدأ بتدقيق النظر داخل الإطار الإسلامي لننفذ بين صفوفهم ونحرك الفرقة, فيتنصر من نريد منهم.
- نحرص على إقامة كنائس جديدة في كل جهة يصل إليها نفوذنا، حتى لا نعزل من تنصر عن أسرته ومجتمعه ونشعرهم بالحماية.
هذه بعض الملامح التي طرحها مفكروهم، وضمن بحوثهم، تحت بند الدعوة إلى التنصير الجماعي (ص21- 38).
وعن التنصير والاستعمار: نرى بعض الباحثين في ذلك المؤتمر يرون فيها الحوار مع المسلمين والصراحة في التنصل من مسؤوليتنا عن الجرائم البشعة التي ارتكبها الصليبيون ضد المسلمين، وعن الإرهاب الصهيوني ضد فلسطين، فالاعتقاد السائد بين المسلمين هو أننا نشترك في المسؤولية عما ارتكبه أسلافنا، وعلينا أن نتخلى عن الروح الانتصارية, وأن نكون أكثر احتراماً وحساسية للمسلمين ولعقيدتهم وطريقة حياتهم، حتى لا يكون تنصيرنا لهم مشوهاً للكتاب المقدس ويسيئ إليه (ص46).
وفي نظر المؤلف أنهم غير جادين في هذا القول، إذ يجب أن يكون إقدامهم في مواقف فعلية وعملية مثل: تخليهم عن مساندة اليهود، وتوقفهم عن ممارسة الضغوط والتدخل في الشؤون الداخلية للعالم الإسلامي، فلا ينبغي أن يتصور المنصرون أن مجرد إعلان هذه التوبة، سيكون سبباً لأن يفتح العالم الإسلامي ذراعيه لبعثاتهم التنصيرية، لتعمل ما تريد أن تعمله في ديار المسلمين.. إن هذا القول فيه استخفاف بالمسلمين وكذب يدب عدم تصديقه، وفيه استهتار واستهانة (ص50).
وفي المبحث الرابع: يوضح المؤلف من واقع بحوثهم وكلمات عن أساليب جديدة في التنصير، وهذه الأساليب جاءت في نقاط، تبين أن التنصير الموجه نحو المسلمين، قد صار في نظرهم علماً، يحتاج إلى شروط علمية أولية، وإذا طبقت تلك الشروط - وهي تسع بدقة، فإنها في نظرهم ستعطى ثمارها في حتمية منطقية - حسب اعتقادهم ، وهي:
1- أسلوب الفلاح: يرون تقسيم العالم إلى وحدات ثقافية متقبلة ومقاومة في المجتمع، وهذا مأخوذ من منهج الإسلام للدعوة.
2- اختبار التربة والتحرك بقوة نحو التربة الجيدة، والمناطق المستعدة، والجهود التي تسبق هذا تستغرق وقتاً.
3- التأثير النفسي يقول (فريزر) في بحثه: لقد جربنا في القرى الريفية علاج الناس وطرد الأرواح الشريرة فأحاط بنا المسلمون.
4- إيقاظ اللغات المحلية حتى نسيطر على العربية الفصحى، وهذه أحسن وسيلة لمباعدتهم عن القرآن وتعاليم الإسلام.
5- المطبوعات، يقول (كلارك) في بحثه: إن الفرصة سانحة والإمكانات الجديدة لدى المسلمين اكبر، فيجب أن يكون هدفنا المطبوعات الإعلامية الجديدة، لما لها من تأثير في النفوس وجذبها لما نريد.
6- البث الإذاعي: المستهدف الشباب ما بين 16 - 25 وهم الطلاب المتعلمون وأنسب وقت لهم ما بين 8-9 مساء حتى يستمروا معنا.
7- الحلقات الدراسية بالمراسلة تخاطب المرأة أولاً مثل: ماذا يقول الكتاب المقدس عن حقوق المرأة؟ كيف تجدين حلولاً لمشاكلك؟
8- الدخول من خلال الاهتمام بمشكلات الشعوب الإسلامية في الاتجاهات: التعليمية والمادية والسياسية والدينية وحقوق المرأة ودولة إسرائيل.
9- الحوار الإسلامي النصراني: على المستويين الرسمي وغير الرسمي، وخاصة في الجهاد والحملات الصليبية والاستعمار والصهيونية ، وغير الرسمي فإن الحوار يفتح أبواباً للصداقات، وتفهماً متبادلاً بغرض المشاركة في حقيقة الحياة كما يراها النصراني.
وهكذا لو سرنا مع مباحث هذا الكتاب، المستقاة من بحوثهم ودراساتهم المقدمة لمؤتمر (كولورادو) لتنصير المسلمين نراهم يضعون كلاماً معسولاً من أجل دغدغة الأذهان، وجذب مؤيدين لأقوالهم، كالأفعى التي ملمسها لين, ولكن فيها السم الزعاف.. فهم بعد أن درسوا الإسلام وتعاليمه، وتأثيره عند طبقة المفكرين عندهم الذين استجابوا للإسلام، إما اعترافاً بمكانة الإسلام وأثره على الحضارة العالمية, أو مخاطبة العقول بما يفتح أمامها مغاليق كانت موصدة فهماً وإدراكاً.. أرادوا تعديل أساليبهم في مثل: التزلف لكسب المسلمين، والدعوة لمخاطبة الناس على قدر عقولهم، وكلمات حق قالوها عن الإسلام.. مما يعني عجزهم - شعورياً - عن تحقيق ما يريدون رغم الإمكانات المالية والإدارية، والقدرة المادية، فأرادوا ارتكاب مطية جديدة، لكن الصحوة الإسلامية تقف أمامهم، كفى الله شرهم.
وفي الحديث القادم، والأخير في مجال التنصير، وهو واسع وجهودهم فيه لا تكل ولا تمل، سنوضح ردة الفعل, والأثر الذي ما كان متوقعاً عندهم، بزيادة اهتمام المسلمين بدينهم، ودخول كثير من أبناء جلدتهم في الإسلام.
(للحديث صلة).
حرب البسوس
جاء في العقد الفريد: أن كليب بن ربيعة قد تزوج جليلة بنت مرة، أخت جساس بن مرة، وكانت خالتها وتعرف باسم البسوس، لها ناقة يقال لها (السّراب) وبها يضرب المثل في الشؤم، فيقال: أشأم من السراب، وأشأم من البسوس، فكانت معقولة بفناء بيتها, فمرت بها إبل كليب، فلما رأتها نازعت عقلها حتى قطعته, وتبعت الإبل حتى انتهت إلى كليب وهو على الحوض ومعه قوس وكنانة, فأنكرها وانتزعها بسهم فخرم ضرعها، فنفرت وهي ترغو، فلما رأتها البسوس مزّقت خمارها عن رأسها وصاحت: واذلاّه واجاراه.
فافتزعت بجسّاس، فركب فرساً له وتبعه عمرو بن الحارث، حتى دخلا على كليب الحمى فقتلاه، فلما قتل ارتحلت بنو شيبان, حتى نزلوا بماء يقال له (النهى).
وتشمّر المهلهل أخو كليب، واستعد لحرب بكر، وترك النساء والغزل، وحرّم القمار والشراب، وجمع إليه قومه، فأرسل رجالاً منهم لبني شيبان يعذر إليهم فيما وقع من الأمر، فأتوا مرة بن شيبان، وهو في نادي قومه, فقالوا له: إنكم أتيتم عظيماً بقتلكم كليباً، بناب من الإبل، فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم، ونحن نعرض عليكم خلالاً أربعة لكم فيها مخرج، ولنا مقنع، قال مرة: ما هي؟ قالوا: تحيوا لنا كليباً، أو تدفعوا لنا جساساً قاتله فنقتله به، أو همّاماً فإنه كفء له، أو تمكننا من نفسك، فإن فيك وفاء من دمه.
فقال: أما احيائي كليباً فهذا ما لا يكون، وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل، ثم ركب فرسه، فلا أدري أي البلاد احتوت عليه، وأما همام فإنه أبو عشرة، وأخو عشرة وعم عشرة، كلهم فرسان قومهم، فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم ليقتل بجريرة غيره، وأما أنا فما هو إلا أن تجول الخيل جولة غداً فأكون أول قتيل بينهما، فما اتعجل من الموت، ولكن لكم عندي خصلتان: أما احداهما فهؤلاء بني الباقون, فعلقوا في عنق أيهم شئتم حبلاً فانطلقوا به إلى رحالكم فاذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سوداء المقل، أقيم لكم بها كفيلاً من بكر بن وائل، فغضب القوم، وقالوا: لقد أسأت، تبذل لنا صغار ولدك، وتسومنا اللبن من دم كليب، ودارت الحرب سنين طويلة في وقائع مشهورة.
(العقد الفريد 3-63). |