جميل فعل السخرية خاصةً في دوامة الحياة وحركة دولابها الذي يغري بالإنسان البشري -مع عمله وكده واجتهاده في الحياة- أن يبث نكتة من قبيل التبكيت والتنكيت كما يقول عبدالعزيز البشري الأديب المصري الظريف من أجل دفع هم أو تغليف كآبة بشيء من الضحك والطرافة!.
ولكن أن يسخر الإنسان بجدية، ذلك رجعٌ من الخاطر المهموم المناكف للحقيقة والواقع، والمنافي للاثنين معاً!.
أحدهم علق على رحلة أخيه أو صديقه إلى المغرب قائلاً: هو راح المغرب أو العصر!! فأجابه: ما سمعت آخر نكتة مصرية؟ أجابه: لا، ما هي؟ قال: النكتة المصرية تقول: واحد سافر المغرب وما صلى!!
فضحك أخونا ومن معه بالمجلس! هذه السخرية فينا نحن البشر! ويمضي العمر والإنسان يكدح ويكافح في حياته من أجل الإبداع العملي والتفعيل الدنيوي، فثمة معوق بيروقراطي! وآخر تعويق من موظف صغير، وهناك عامل مؤثر على تأخير عملية، أو تأجيل موعد، بل تصل بنا أحياناً إلى إلغاء صفقة ثمينة، ولكن من طرف واحد فقط!!
فيتألم صاحبها ويقول: الدنيا بخير!! بامتعاض شديد الحالة!! ومؤلم جداً! ومع كل هذا تأتي السخرية كأدب مسل وطرفة تهني كما فعل الجاحظ مع البخلاء، وأبو نواس في شعره مع التغني، ومصطفى حمام مع الظرف في أدبه وشعره، وتوفيق الحكيم مع حماره، وحافظ إبراهيم شاعر الشعب..
وهكذا يمضي قطار الحياة وتتسع الصدور المكدودة للنكتة الساخرة كما فعل إبراهيم عبدالقادر المازني في كتاباته، وأنيس منصور في عموده (مواقف)، وأحمد بهجت في (صندوق الدنيا) بالأهرام!! وأحمد عباس في (الحلوة والمرة)، وضياء الدين رجب في (القطوف)، وعبدالرحمن السماري في (مستعجل)!! وأحمد شريف الرفاعي في (توهجات).. الى آخر كتابنا الساخرين في وجه الهموم والمعوقات!! في دنيانا الفانية والروتين الممل في بعض الأحوال!! إن السخرية المعنوية بالألفاظ الظرفية والنكات الشعبية لهي بلسم أدبي، وعلاج نفسي، وتندُّر طريف كي ما ينسى إنسان العصر همه ويعمل من أجل الستر وسد الرمق، ومن قبيل الاستراحة والاستجمام!!
فالسخرية فينا ما دام عمل، وامتد عُمر (وتقدرون فتضحك الأقدار) كما قال المعري.
|