سَأَلَتْني من أنتِ؟
وجئتُ إليها من هناك، من حيث أنتِ، ومن هنا، من حيث أنتِ
مسافات موغلة في الوحشة يانوَّارة، والوحشة تُطبق على وريد الحول من حول النَّاس، كلُّ النَّاس في غربة التُّوجس، تائهةً تتناهض همومها تلك التي لم تعد محكمة السّرية ، فالنَّاس في همّ واحد... طغى على همومهم الخاصَّة...
غادرتِ يا حبيبة ووجه الأرض كان لما يزلْ يعبقُ بشيء من الأمل...
وعبقٌ كان يتناثر، لحلمٍ هاربٍ، في التّو عرفتُ أين اختفى....
جناحاه حلّقا حولكِ، ثمَّ هبط فاندسَّ في تجويفة مرقدكِ...
أيتْها البهيَّة، أين بهاؤكِ وقد تشوَّقتُ لونَه، ونكهَته... حدَّ الغربة، وحدَّ الآه...
في وجوه كثيرة أقرأ استدارة السُّؤال، وقد التفَّ اتّجاههما نحو بعضهما كي يستقيم الاستفهام جوفاً مدجَّجاً بوجود السؤال: ما الذي اعتمر الكون فغمره...، ونبوءة النَّار في حلم الصغيرة حين كان يداهمها الكابوس يجثم على براءتها كنتِ تعيذينها بالله منه، ومن ثمَّ تلتفتين إلى قبلة الدُّعاء...، تتقاطر رجاءاتكِ ، يرتفع صدى مناجاتكِ، تنهمر دموع عينيكِ...
ما الذي سوف يغمر مسيرة براءةٍ تلتهم النيران مساحات أحلامها، ويغطِّيها الخوف، وتتناهضها التُّوجسات، وأنتِ كنتِ لها دار الطمأنينة، وسكن السكينة،... حتى استوى الكابوس... وأنتِ تغادرين المكان...
تسألينني كنتِ: كيف أقيم للسُّؤال داراً من جزئَيْ الاستفهام، أُسكنه داخلهما،وأخرج، أنطلق بهما إلى حيث معيّة الآمال، والأحلام، وانطلاق الأجنحة، وفوح الزهور، وتطلُّعات الانعتاق... واحصد للنّاس الفرح، والحلول، ومكاشفات الغموض...
وحدكِ يانوَّارة من كان يهبني منحةَ الصّبر على توجّساتي، ووحده من كان يكابدها، أنتِ وهو كنتما القنديل والزَّيت، وتحت مظلّتكما تضاعفت أحلامي:
متى كنتِ ستعرفين هموم النَّاس يانوَّارة
ووحدكِ من رسم خريطة التّوجُّس؟!
ووحدكِ من وضع مخارج الطريق؟!
اليوم نوَّارة تعاجلني بوارق الحيرة، فمتى يأتي الجواب؟
كانوا يقولون: على أيدي المفكِّرين, تسعد البشرية..., لماذا غدونا نقول: على أيديهم شقيت البشرية؟!
هل لأنَّهم تنحّوا عن قيادة المركبات، وتركوها في مهبِّ ريح البحار، ودوَّاماتها؟!
أم لانّهم في بروج التِّيه يعالجون أحلامهم وهي تُجتث بأجنحةٍ حادةٍ مزّقت غيبية التّحليق، وهتكت صمت الملكوت حولهم؟!....
تلك أبديّة السُّؤال...
وتلك سرْمدية العنف،
وذلك وهْم الإنسان الذي يتخيَّل قدرة النَّفاذ...، ولكن،
يانوَّارة... أين سلطانة؟!
أين سلطان النَّفاذ، وأجنحةٌ مكسّرةٌ تلك التي يتعاضد بها نحو الانطلاق ودروبه وعرة...، زاحمها الضَّباب؟!
نوَّارة...
سلامي لكِ في سلامكِ الأبدي
وهي لحظة بوح...
لم يكن لي من يسمعه غيركِ...
ولم يكن لنا من يتلهّفنا سوى من يسأل عنكِ...
فلكِ وحدكِ شهقةُ البوح...
ولي وحدي انتظار الزَّفير...
|