Thursday 8th April,200411515العددالخميس 18 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
دعوها... فإنها مأمورة
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

قد يكون من تبسيط الأمور أن ننظر لكل ما يحدث في العالم اليوم على أساس أنه مجرد أفعال وردود أفعال، فحيث يمكن أن يصدق هذا - إلى حد كبير - على مناطق معينة من العالم، مثل مناطقنا، فإنه - دون شك - لا يصح أن يوصف به واقع العوالم المتقدمة، المؤسسية، التي تحسب ألف حساب لكل ما لا يحسب له حساب. ومع أنه قد يستعصي على الفهم، إدراك ما يجري عندنا ومن حولنا، لكنه - كما يبدو - عمل منظم، مدروس بعناية فائقة جداً، ربما كان الهيجان الغربي المعاصر علينا، مجرد (فرد عضلات) لكنه فرد للعضلات من نوع خاص، يقوم على أساس من الدراسة والتمحيص، وإقامة ميزان المعادلات الرياضية والتاريخية والجغرافية. وهو - من جانب آخر - قد يكتنفه شيء من الإعجاب بالذات، فتتشكل بداخله عناصر إفشاله وتدميره. ثم إنه من الصعوبة بمكان على كل من خبر العقلية الأمريكية، وفهم التركيبة الاستراتيجية للفكر السلطوي الأمريكي، أن يؤمن بأن ما يحدث في العراق مثلاً هو فشل أمريكي في السيطرة على الأوضاع. ولكن قد يصعب - من جانب آخر - تصديق أن أمريكا تخطط لأن يُقتل منها ومن حلفائها بالقدر الذي يحصل في العراق. ومن هنا قد تكون المعادلة الدولية، والمراهنة الأمريكية في العراق غامضة مخيفة مستعصية على الفهم الدقيق لمعظم التفاصيل.
وحيث يصعب فهم الحقيقة بين هذين الشيئين: (القدرة الأمريكية الفائقة على إدارة الأمور، والواقع المتردي في العراق)، فإن تلك الحقيقة - كما يبدو - رهينة بشيء عظيم قد يحدث في أي حين، وأعتقد أن دورنا يجب ألا يكون دور المتفرج على ما حوله، بل ربما كنا أقدر من ذلك بأن يكون لنا دور ما نقوم به، وذلك - بكل تأكيد - مع السماح (من معيار الأمر الواقع) بأن تواصل أمريكا سياساتها عندنا لأجَل محدود، لأنها كما يبدو تعيش مرحلة من الاضطراب (المخطط!!). حاولتُ - في ضوء هذه المنظومة - أن أجد تفسيراً منطقياً لكل تلك المتغيرات، فاستعصت على فهمي كل النتائج الممكنة، ولم أستطع الخلوص إلا إلى الاعتقاد أنه ربما كان من العقل أن تُترك أمريكا لتعمل شيئاً ما، فهي كما تبدو مأمورة أن تُحدِث تحولات وتقلّبات في العالم المعاصر. والحكمة تقضي أن نستغل تلك التحولات والتقلّبات لصالحنا، وأن ندير دفة النزاع والصراع لمستقبل أكثر طمأنينة لهذا العالم الذي بات يئن من تراكم الويلات والنكبات. لو لم تكن أمريكا مأمورة، لما جاءت بكل عتادها وثقلها لتحل ضيفاً ثقيلاً علينا، ولو لم تكن إرادة الله فوق إرادتها لما خسرت كل ما خسرته اليوم مما بقيت تبني فيه أربعة قرون من المجد والشموخ. فلنخلِّ سبيلها ونرقبها بحذر، ونتّقي شرها، حتى يأذن الله بأمر كان مفعولاً. ربما أُتينا من أننا لا نستقرئ لماذا كان يتمرد الكبار على مر التاريخ؟ ولماذا يجعل الله لكل شيء سبباً؟

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved