في قصص المدمنين مآس ومشاكل يندى لها الجبين، واليوم نعرض ما وافانا به مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض ممثلاً بإدارة العلاقات العامة والإعلام الصحي، بهدف التوعية وإرشاد الناس بأضرار تلك الآفة الخطيرة حيث نستعرض إحدى القصص، والتي يروي فيها المدمن التائب سامي قصته المأساوية..
أنهى (سامي) امتحان السنة الأولى المتوسطة بتفوق وقبل أن يعرف نتيجة امتحانه سأل والده قائلا: ما هي الهدية التي ستهديني إياها إذا نجحت هذا العام؟
قال والده بسعادة: عندما تحضر الشهادة وتكون ناجحا سأوافق على سفرك مع خالك إلى الحبشة لتقضي إجازة الصيف هناك.
لقد كان سامي أكبر الأولاد.. أنجبته أمه بعد طول انتظار فنشأ بين والديه حبيبا مدللا، الجميع يسعون لإسعاده وتحقيق مطالبه وإدخال السرور على نفسه.
لم ينم سامي تلك الليلة من الفرحة فقد كانت الأحلام الوردية تداعب مخيلته وفكره الطفولي البريء.. كيف لا؟؟ وهو سيسافر لأول مرة إلى الحبشة وسيقضي فيها ثلاثة أشهر هي فترة الإجازة المدرسية وسيتمتع خلالها بكل جديد.
وفي صباح اليوم الثالث لانتهاء الامتحانات.. خرج سامي بصحبة والده إلى المدرسة ليحضر الشهادة.
غاب (سامي) داخل المدرسة دقائق.. بينما كان والده ينتظره في السيارة ثم عاد وهو يحمل الشهادة في يده.. وعلامات البشر تنطلق من وجهه البريء وهو يهتف قائلا: أبي (أبشرك لقد حصلت على الترتيب الثاني على زملائي).
ابتسامة عريضة سكنت على محيا والده.. وبدا الفرح جليا في عينيه فحضنه الأب بفخر وفرح شديد وهو يقول:
ألف ألف مبارك يا سامي (بل مليون مبارك يا ابني العزيز ويا سندي) الحمد لله على توفيقه لك. وحان موعد السفر فودع سامي والديه وهو في غاية الزهو والسعادة وفي الطائرة التي ركبها سامي لأول مرة رأى عالماً جديدا ومتعة لم يتذوقها من قبل.. متعة فيها خليط من الخوف والبهجة معا خصوصا عندما سمع هدير الطائرة وهي تقلع عن أرض المطار لتحلق في الفضاء الواسع.
لقد كان كل شيء يشاهده ويسمعه جديدا بالنسبة له. وشيئا غريبا لم يألفه من قبل.
وفي الحبشة رأى (سامي) بصحبة خاله عالما جديداً آخر.. ومر هناك بعدة تجارب مثيرة.. وشاهد أشياء لم يشاهدها من قبل. ولكنه كان يلاحظ بين فترة وأخرى وفي أوقات معينة أن خاله تنتابه حالة غريبة يضعف فيها جسده وتوازنه أحياناً.. يراه سعيدا ضاحكا أحياناً.. ويراه في أحيان أخرى يتمتم بكلمات غير مفهومة. وتوصل سامي إلى السر في هذه التصرفات الغريبة.. (إن خاله مدمن على شرب الخمر)!. فكان يحدث نفسه قائلا: سأفعل مثله لأرى ما يحدث لي؟ وبم يحس؟ وكيف يكون سعيدا؟ وحمل سامي دافع التجربة وضعف الإدراك لسوء العاقبة وخطر النتيجة فشرب سامي الخمر لأول مرة..
طالب الأول متوسط يشرب الخمر
في البداية لم يعجب سامي الخمر ولكن رؤيته لخاله وحب التقليد الأعمى دفعاه إلى أن يجربها مرة واثنتين وثلاثا حتى تعود عليها. وأصبح مدمنا وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره!!
وانتهت فترة الإجازة وعاد سامي بصحبة خاله إلى جدة.. وكان تفكيره منصبا على كيفية الحصول على الخمر والتمكن من تناولها.. ولكنه لم يستطع الحصول عليها بسهولة فقرر في النهاية أن الامتناع عنها نهائيا هو الحل الوحيد للمحافظة على نفسه ومستقبله فهو ما يزال طفلا كما أنه فعل مشين حرمه الله ووضع عقابا صارما لفاعله.
وعاد سامي إلى حياته الطبيعية ونسي الخمر ومرت عليه ثلاث سنوات دون أن يفكر في شربها. وفي نهاية السنة الرابعة قرر أهله السفر إلى الخارج.. لقضاء عطلة الصيف في إحدى الدول الأوروبية.. هناك في تلك الدولة استيقظت الرغبة الكامنة في نفسه لشرب المسكر وتجددت ذكريات أيام الحبشة فمضى الشيطان يزين له شرب الخمر فكان سامي ينتهز فرصة غياب أهله للخروج أو وقت نومهم ليتناول الخمر خفية.
واستمر على تلك الحال حتى أدمن الخمر من جديد وأصبحت لديه كالماء لا غنى عنها. وفي إحدى الليالي خرج (سامي) مع (فوزي) ابن خاله لقضاء السهرة في أحد النوادي الليلية الأوروبية.. وجلسا معاً يحتسيان الخمر بعد أن أكلا ما طاب لهما من الطعام وهما ينصتان للموسيقى الصاخبة!.
وبينما هما على تلك الحال إذ أخرج (فوزي) من جيبه قطعة صغيرة سوداء وأخذ يستنشقها بهدوء ولذة وكأنه يقبل طفلا رضيعاً!.. وكان بين آونة وأخرى يتمايل يميناً وشمالاً.
سأله سامي في فضول: ما هذه القطعة؟ ولماذا تفعل ذلك؟ فضحك فوزي وقال: ألا تعرف ماهي؟ إنها الحشيشة السوداء إنها قمة اللذة العارمة.
قال سامي هل من المعقول أن هذه القطعة تفعل كل هذا؟ قال (فوزي) إن ما قلته لك هو جزء من الحقيقة وعليك أن تجرب حتى تعرف الحقيقة بنفسك خذ جرب. ومد يده إلى سامي بالحشيشة السوداء.
تناول سامي الحشيشة وأخذ يستنشقها وانتقل معها إلى عالم آخر من الزيف والوهم والضياع ودنيا من البؤس والشقاء والتعاسة.
لم يكن سامي يعلم أن هذه الحشيشة الصغيرة ستكون له بالمرصاد وأنها موت يطرق بابه كل يوم ويهدد مستقبله وصحته.
لم تمض إلا أيام حتى أصبح سامي مدمنا للحشيش. فانقلبت حياته واعتلت صحته وساءت علاقته مع أهله واعتل فكره أيضاً بسببها.. ونفدت نقوده وانتهت من أجلها. وعندما أنهى سامي تعليمه وحصل على الوظيفة بدأ يشعر بكراهية الناس وحب الابتعاد عنهم، لقد كان يشعر في قرارة نفسه أن الجميع يعرفون سره.. وأن أحداً لم يعد يثق به.. أصبح عصبي المزاج كثير الانطواء ومضت ثمانية عشر عاماً وهو أسير حشيشته السوداء رغم تقلبه في عدة وظائف للحصول على راتب أكبر يساعده على مصاريف الحشيش وكثرت مشاكله حتى مع أهله. وكان (سامي) يحس في قرارة نفسه أنه بحار ضائع في بحر لا ساحل له ولا سبيل للنجاة منه.
عزم سامي على أن يبوح بالسر لأحد اصدقائه الأعزاء والمقربين إلى نفسه عله أن يجد عنده ما يخلصه من هذا الجحيم الذي لا يطاق. وبالفعل ذهب إلى أحد اصدقائه القدامى.. استقبله صديقه بفرح كبير وعاتبه على انقطاعه عنه.وأخبر سامي صديقه بكل تاريخه في إدمان وتعاطي المسكرات بداية برحلة الحبشة وانتهاءً بتعاطي الحشيشة السامة وما يجري معه بسببها وطلب منه المساعدة في التخلص من هذه الحشيشة القاتلة ولما أنهى سامي حديثه بادره صديقه قائلاً: عندي لك ما ينسيك كل آلامك! فقط عليك أن تمد يدك وتغمض عينيك وتنتظر لحظات. قال سامي باستغراب: ماذا تقول؟ أنا في حالة سيئة لا تستدعي المزاح والسخرية منك. قال الصديق أنا لا أمزح فقط فافعل ما قلته لك وسترى النتيجة. مد سامي يده وأغمض عينيه فتناول ذلك الصديق عضده وحقنه بحقنة حين فتح سامي عينيه كان صديقه الفاسد قد انتهى من تفريغ حقنة (الهيروين المخدر) في جسمه.
ومع بداية حقنة الهيروين أعلنت رحلة ألم وعذاب جديدة بالنسبة لسامي.. وسافر أيضا في دنيا الضياع وانتقل نقلة نوعية في عالم المخدرات.. ومن يومها أدمن (سامي) على الهيروين ولم يعد يستغني عنه.. وكان حين يتركه يشعر بآلم تنخر عظامه لا سبيل إلى تحملها.
وصرف (سامي) كل ما يملكه على الهيروين واستدان من أهله واصدقائه وهم لا يعلمون عن الحقيقة شيئاً وانتهى سامي إلى رهن بيته في نهاية المطاف.
وعندما ساءت حالته الصحية داخل المستشفى وخرج منه بعد فترة ليعود للإدمان من جديد.
لقد دخل المستشفى أكثر من مرة ولكن دون جدوى وفي ذات ليلة لم يستطع مقاومة الآلام التي تلتهب في جسمه بسبب الحاجة إلى الهيروين ولم يكن لديه مال ليشتري به هذا السم القاتل.. ولكن لابد من تناول الهيروين هذه الليلة مهما كان الثمن وكان والده آنذاك مسافراً. وكانت تصرفات سامي في تلك الفترة يغلب عليها الطابع العدواني الذي افقده آدميته وإنسانيته.وكانت تلك الليلة الحزينة ليلة مقمرة بعض الشيء فخرج سامي من غرفته وقد عزم على أمر ما - وكان يئن تحت وطأة الشوق لتناول حقنة هيروين - لقد عزم على سرقة شيء من مجوهرات أمه ليشتري بها الهيروين فهو لم يعد يطيق عنه صبراً.
تسلل سامي بهدوء الى غرفة والدته.. فتح دولابها.. سرق بعض مجوهراتها ليبيعها ويشتري بها الهيروين.
وقال سامي في نفسه (سأنجح وستتم عملية السرقة بنجاح) ولكن الأم استيقظت مذعورة على صوت الدولاب.. رأت شبحاً يتحرك فصرخت بكل قوتها حرامي.. حرامي..
اتجه ناحيتها وهو ملثم وأقفل فمها الطاهر بيده الملوثة بالخطيئة.. ثم قذف بها على الأرض.. وقعت الأم المسكينة على الأرض وهي مرتاعة هلعة.. وفر سامي هارباً خارج غرفتها.
وفي تلك الأثناء خرج أخوه الأصغر على صراخ أمه.. رأى شبح الحرامي فلحق به ليمسكه.. وبالفعل تمكن من الإمساك به ودخل الاثنان في عراك وتدافع. لقد كانت اللحظات صعبة والموقف مريراً وعصيباً.. سامي سينكشف أمره لو تمكن أخوه من الإمساك به ونزع القناع عن وجهه.. والأم المكلومة تراقب ابنها الصغير عله ينال من ذلك المجرم الذي اقتحم بيتهم وهم نائمون. وفي ظل كل هذه الاحداث والتساؤلات التي تمر على سامي في تلك اللحظات وتطلعه إلى الراحة من كل هذه الظروف التي لن تحصل له الراحة الا بحقنة الهيروين.. كان مستعداً لعمل كل شيء من اجل تلك الحقنة اللعينة.
ومع إصرار الأخ الأصغر على إمساك الحرامي (سامي) قام سامي بطعنه بالسكين في صدره ليتخلص منه ومن الفضيحة.. وفر هارباً بالمجوهرات..
في هذا الوقت صادف أن سيارة الشرطة كانت تجوب الشارع في ذلك الوقت.. في دورية اعتيادية فلاحظه الشرطي وهو يخرج من البيت مسرعاً.. يكاد يسقط على الأرض من الإنهاك وفي يده علبة كبيرة.. فظنه لصاً!!.. فتمت مطاردته والقي القبض عليه.
نقل الأخ الأصغر إلى المستشفى.. ولكنه فارق الحياة وأسلم الروح الى بارئها متأثراً بتلك الطعنات الغادرة التي تلقاها جسده الطاهر البريء من اقرب الناس إليه.. من أخيه الأكبر.. الذي طالما اكل معه وشرب معه ونام معه ولعب وضحك معه.. من يصدق أن أخاً يقتل اخاه!؟ ( لا احد يصدق لكن عالم المخدرات مليء بالعجائب والقصص من هذا النوع).
وعند فتح ملف التحقيق كانت المفاجأة المرة والحقيقة المذهلة.. المجرم السارق القاتل هو الابن (سامي) والضحية هما الأم والأخ.. والبيت المسروق هو بيتهم جميعاً.
لم تتحمل الأم هذه المفاجأة والصدمة.. فسقطت مريضة على فراشها تذرف الدموع، دموع الأسى الحسرة والندم والألم معاً على ابنها (سامي) المدلل المتفوق الذي ضاع مستقبله وابنها الصغير المسكين الذي مات مقتولا بيد أخيه الغادرة.. حقاً إنها مأساة تتجرع غصصها أم مكلومة وأب عاد من السفر على أنقاض الجريمة فسقط هو الآخر مطأطئاً رأسه لا يلوي على شيء.. حزيناً كسيراً حتى يطويه قبره!!
وأصبح سامي في عيون الناس ابناً عاقاً ضائعاً ولصاً محترفاً.
بكى سامي كثيراً.. وتألم وتحسر على ماضيه.
لقد خسر كل شيء بسبب المخدرات..
خسر دينه.. خسر وظيفته.. خسر صحته..
عق أباه وأمه وكتب عليهما الحزن ما بقيا.. قتل أخاه!! خسر أسرته.. خسر سمعته.
نقل سامي إلى المستشفى للعلاج من الإدمان.. ولكنه مع ذلك سيظل متذكراً انه قتل أخاه الأصغر.. وحطم حياته كلها بيده بسبب المخدرات.. أجل فتعاطيه للمخدرات بدافع الترفيه والتجربة والمتعة والتقليد بعد أن ضعف وازعه الديني جعله يخوض غمار هذه الحياة المرة ويكملها تعيسةً ولتنتهي بكل هذه النتائج المحزنة؟!
فاعتبروا يا أولي الأبصار
رأي المرشد الديني:
دافع التجربة وقلة الوعي وضعف وازعه الديني قادته للمخدرات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.. وبعد
فنحمده سبحانه على نعمة العقل وامتنان الله عز وجل بهذه النعمة على الإنسان وتفضيله للإنسان عن باقي مخلوقاته. ولكن العجيب هو سعي بعض بني آدم في إتلاف عقله بيده!! ومن هؤلاء سامي الذي قرأتم قصته المؤلمة والمحزنة. سبحان الله كيف حمله دافع التجربة وقلة الوعي ( وهذا حال كثير من صغار السن ومن الشباب الذين وقعوا في شرك المخدرات كان هذا سبب وقوعهم في هذا المستنقع) بعد أن ضعف وازعه الديني.واعلموا احبتي الكرام أن المخدرات تقضي على الضرورات الخمس التي أمر الله سبحانه وتعالى المسلم بالمحافظة عليها وهي: الدين والعقل والعرض والمال والنفس وهذا يتبين عند الوقوف على أحوال متعاطي المخدرات، فإن الناظر الى احوالهم يجد انهم بتعاطي المخدرات والمسكرات (بأنواعها تقريباً) يدلفون ويشرعون في إتلاف هذه الضرورات تدريجياً.
وانظروا لقصة هذا الشاب (سامي) فهو لم يكن يتوقع أن تنقلب حياته وان تعتل صحته وأن يستدين وأن يخسر وظيفته وسمعته؟ ولم يكن يتصور في يوم من الأيام أن يسطو على ممتلكات أمه.. ولم يكن يعتقد أن يشهر السلاح في وجه أخيه (ولو مزحاً ربما) ولكن وصل به الأمر مع التعاطي الى ان قتله وأنهاه من الوجود وكتب قصة القضاء عليه مع ملاحظة انه عندما قتله لم يكن في حالة سكر بل مجرد اشتياق وهيجان ورغبة في التعاطي.. فكيف لو كان كذلك ،ماذا سيفعل به وبأمه المسكينة وهو منفرد بهما في البيت!!وكثيراً ما نسمع عن أن احداً من متعاطي المخدرات ربما قتل أباه او هتك عرض اخته او سلم زوجته رهينة عند مروج والعياذ بالله هذا كله لم يتأت الا بعد ان اذهب هؤلاء عقولهم وماتت انسانيتهم وانعدم احساسهم، فحري بالمؤمن والعاقل ان يتق الله في نفسه اولاً وفيمن حوله وتحت يديه ويحذر كل الحذر كل وسائل الغواية وان يتعلق بالله عز وجل وكفى بالله حسيباً، واعلموا انه بالتعاطي فعلاً يكون خراب البيوت، وتشريد الأسر، وتفكك المجتمع، والخسارة في الدنيا والآخرة، أجارنا الله وإياكم نسأله الهداية لنا ولكل مسلم.
والله المستعان..
سالم بن سعد القرني
المرشد الديني بمجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض |