Thursday 8th April,200411515العددالخميس 18 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المرض النفسي.. نحو فهم أفضل المرض النفسي.. نحو فهم أفضل
د. رياض بن عبدالله النملة (*)

إن طبيعة المرض النفسي تختلف عن غيره من الأمراض الأخرى، بدءاً من العوامل المسببة له ومروراً بنوعية الأعراض وانتهاء بالعلاج وإن عدم إدراك أو وضوح هذا الاختلاف والفرق ليؤدي إلى الخطأ في التعامل مع المريض النفسي، حيث إن الهدف من هذه الصفحة هو توعوي بالدرجة الأولى، فسيكون المقال عن النقطة أعلاه مقتضباً ومبسطاً.
ولنشرع في الحديث عن سبب المرض النفسي فبشكل عام لا يمكن القول - على الأقل حالياً - إن هناك سبباً واحداً ومحدداً للمرض النفسي، وإنما الصحيح أن هناك عدة عوامل تؤدي مجتمعة إلى ظهور المرض أو الاضطراب النفسي، بيد أن هذا لا ينفي أن يكون أحد هذه العوامل أو بعضها أشد تأثيراً من الآخر، وهذه العوامل قد تكون عوامل اجتماعية تتعلق بالوضع الأسري، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي، وقد تكون عوامل نفسية تتعلق بشخصية المرء وخبراته، وكيفية تعامله ومواجهته للظروف المحيطة به. وهناك عوامل وراثية حيث أثبتت الدراسات العلمية دور العامل الوراثي في الإصابة ببعض الأمراض النفسية، وهناك عوامل عضوية أو خلقية أو تشريحية... إلخ.
إن إدراك هذا المفهوم بشكل صحيح لأمر مهم، ذلك أن طبيعة المجتمع هنا تتمثل غالباً في إلقاء اللائمة على عامل أو سبب واحد، وكأنه هو السبب الوحيد للمرض وبالتالي إغفال بقية الأسباب والعوامل، وبالطبع ينعكس أثر هذا الفهم الخاطئ سلباً على العلاج. ثمة فهم آخر خاطئ - ونحن نتحدث عن الأسباب والعوامل - وهو ظن بعض الناس أن ما يعتبر سبباً لعدم استقرار الإنسان السوي قد يؤخذ بالاعتبار ذاته للمريض النفسي، خذ على سبيل المثال الزواج، وهو لا شك من العوامل التي تساعد الشخص على أن يحيا حياة نفسية مستقرة، لكن مع بعض وليس كل الحالات النفسية المرضية قد يكون الزواج سبباً في انتكاس الحالة، وتفاقم المشكلة، ومع ذلك نجد بعض الأهالي يصرعلى أن عدم الزواج هو السبب في إصابة مريضهم بالحالة النفسية، بالرغم من تأكيدات المختصين بخلاف ذلك.
انتقل هنا للحديث عن نوعية الأعراض النفسية، ففريق من الناس يرى أنها مجرد تمثيل، وآخر يعتبر المريض مبالغاً في شكواه، وقوم يعتبرون أن هذه الأعراض والشكوى نتيجة الظروف والصعوبات المحيطة (كما في حالات الاكتئاب والقلق بالرغم من التأثير المعيق لها على بعض المرضى).
وهذه النظرة قد تنبع من الطبيعة البشرية التي تميل إلى التعميم - أعني التعميم غير المنضبط علمياً فقد يسمع البعض أو يشاهد أو حتى يتعامل مع حالة نفسية معينة، يخرج منها بانطباعات ورؤى قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، يجعل منها تصوراً عاماً وشاملاً عن المرض النفسي، البناء على هذا الفهم الخاطئ يكون التعامل خاطئاً أيضاً، فتجد بعض الأهالي يهمل المريض ويتركه دون علاج والآخر قد يعاقبه... إلخ.
نعم في بعض الحالات قد تكون الأعراض تمثيلاً أو مبالغاً فيها، ولكنها تشكل جزءاً ضئيلاً من مجموع الحالات النفسية التي تعاني فعلاً، إننا لابد أن ندرك أنه نتيجة للمرض النفسي قد يكون حكم المريض على الأمور وتقديرها غير صائب، وفي بعض الحالات يكون تعامل المريض النفسي مع ضغوط الحياة أشبه بالتعامل الطفولي، فيظن الظان أن هذا مجرد تمثيل وتظاهر.
أما العلاج فعلى قدر الخلل في النظرة إلى الأسباب والأعراض يكون الخلل في العلاج، وعموماً فإن ضيق الأفق في النظرة إلى العلاج وأنه لا يكون إلا بالأقراص والحقن أمر شائع بين الناس, وبالتالي فإن إهمال العوامل الأخرى (الاجتماعية، النفسية، الأسرية...) يكون وارداً جداً.
إضافة إلى ذلك فإن الفهم القاصر للعلاج والذي يعتبر الشفاء الكامل والتخلص التام من الأعراض المرضية هو المقصود من كلمة علاج، وبالتالي فإن التخفيف من هذه المرض ومضاعفاته وآثاره السلبية لا يعتبر علاجاً عند كثير من الناس, ولك أن تتوقع ما يمكن أن تفرزه هذه النظرية من عواقب وخيمة على المريض نفسه وعلى أهله الذين قد لا يحرصون على مواصلة العلاج أو الانتظام عليه إذا لم يجدوا التحسن الكامل، اضافة أن هذا الفهم الخاطئ قد يجعل المرضى الذين لم يتلقوا العلاج أصلاً يحجمون عن طلبه.

(*) استشاري الطب النفسي بمجمع الأمل بالرياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved