* غزة:
يتنقل الطفل الفلسطيني محمد (12عاماً) بجسمه الهزيل وملابسه البالية، وفق شارة المرور الضوئية المقامة على تقاطع شارع عمر المختار مع شارع النصر قرب المجلس التشريعي.
وما إن يضيء اللون الأحمر حتى هب مسرعا يتنقل بين السيارات المصطفة الواحدة تلو الأخرى معرضاً بإلحاح بضاعته ومروجا لها، وكأنه رجل إعلانات كبير، وقبل أن يشعل الضوء الأصفر معلناً استعداد السيارات للتحرك ينتقل إلى الاتجاه الآخر بسرعة منفذاً نفس الدور وهكذا.هذا هو حال عشرات الأطفال الفلسطينيين الذين أصبحوا يعرفون ب(أطفال الإشارات الضوئية) حيث ينتشرون عند مفترقات الطرق الرئيسية أو في المطاعم والمصانع لا يمنعهم برد الشتاء أو حرارة الصيف المرتفعة.
فما الذي يدفع هؤلاء الأطفال إلى مثل هذا النوع من العمل؟
وبعد عمل شاق جلس محمد بجوار أحد الجدران ليأخذ قسطاً من الراحة، وعندما سألناه عن الدوافع التي تجبره على هذا العمل، رد بلهجة حادة لسنا (شحادين) نحن نعمل ونتعب من اجل أن نحصل على لقمة العيش، الكل يتصور أننا لصوص، ولكننا لسنا كذلك، فأنا أتحمل مسؤولية أسرتي المكونة من ستة أولاد، بالإضافة إلى أمي وأبي المريض الذي لا يستطيع الخروج إلى العمل منذ سنوات واضطررت أن أخرج إلى العمل بدلاً منه وإلا سنموت من الجوع أو نصبح (لصوص).وأضاف لمراسلنا، وقد بدا حزينا (قبل الثامنة أتواجد على المفترق أنا وأخي الصغير، أحمل علبة البسكويت أو مجموعة من أعداد الصحف وأتجول بين السيارات بسرعة لبيعها وقبل موعد المدرسة أعود إلى المنزل، وبعد أن أبيع تقريباً علبتين من البسكويت، قيمتها 5 شواكل، وبعد المدرسة أذاكر ما أستطيع من دروس لأحافظ على مستواي الدراسي.
وقال محمد (أنا أكره التواجد على المفترق وأنتظر موعد المدرسة حتى أرتاح منه، ولا أنكر أننا نتعرض لكثير من المضايقات من السائقين والمارة، وأتمنى أن يعود أبي إلى العمل حتى أرتاح من مسؤولية الأسرة وألعب وأدرس مثل كل أصدقائي في المدرسة).
حال الطفل إبراهيم (10 أعوام) لا يختلف كثيرا عن زميله محمد، فلا يوجد مصدر رزق لأسرته غير ما يحصل عليه، ويقول: (أبي لا يستطيع الوصول إلى عمله في إسرائيل منذ بدء الانتفاضة وحالنا صعب كثيرا). وأضاف أضطر أن امسح بعض السيارات لعل أحد السائقين يساعدني ويعطيني شيكلاً وذلك بدون علم أبي، لأنه لو علم سيضربني، ولكني أحب أن اساعده واوفر مصروفي.وقال وهو ينظر بعينيه إلى السماء محاولاً اخفاء ما فيها من حزن وهموم: بعد أن اعود من مدرستي أذهب لألعب الكرة في الشارع مع زملائي).
أحد المهتمين
وذكر محمد البنا وهو اخصائي اجتماعي لمراسلنا، أن وضع الأب الاجتماعي لا يسمح له بالخروج إلى مفترق الطرق لبيع البسكويت وغيره، ومن ثم يعرض نفسه وبضاعته بأسلوب استعطاف كما يفعل الطفل، فتضطر الأسرة إلى دفع الطفل للعمل.
وقال: اثبتت الدراسات الأخيرة أن الإغلاق والحصار الذي يهدد مصدر رزق الأسرة هو الذي يدفع بالأطفال إلى سوق العمل، ونلاحظ أنه توجد علاقة طردية بين الأطفال الذين يتركون مدارسهم من أجل العمل والوضع الإقتصادي الصعب.
أما المدرس يوسف عوض فقال: إن ما يتعرض له الطفل الفلسطيني من خوف ورعب جراء القصف والعدوان المستمر، والقتل المتعمد يؤثر على الطفل السوي الذي يقضي معظم ساعاته في الدراسة، فكيف بها على هذا الطفل الذي يقضي معظم ساعات نهاره في العمل خارج نطاق الدراسة، لاشك أنه سينمو نمواً غير طبيعياً، لأنه يتحمل مسؤوليات أكبر من قدراته، وبالتالي سيتأخر مستواه الدراسي، ومن ثم سيترك مقاعد الدراسة.فحالة الطفلين محمد وعصام نموذج لمئات الأطفال الفلسطينيين الذين دفعهم الفقر إلى التوجه إلى أماكن العمل سواء على الطرقات أو في المطاعم أو المصانع لسد جزء من حاجيات الأسرة بعد الحصار الشديد المفروض على الأراضي الفلسطينية.
وزيرة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، انتصار الوزير (أم جهاد) اعلنت أن 70% من الأسر الفلسطينية تعتبر تحت خط الفقر، مشيرة إلى أن نسبة البطالة قد أرتفعت في قطاع غزة إلى 65% و55% في الضفة الغربية.
وشدد على أن السلطة الفلسطينية بكافة وزارتها وخاصة وزارة الشؤون الإجتماعية تبذل جهدها في سبيل تحقيق قدر من التنمية الاقتصادية محملة بذلك الاحتلال مسؤولية إعاقة فرص التنمية في الأراضي الفلسطينية، وما نتج عن تدميره لآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية عدا عن تقطع الأوصال بين المحافظات والقرى مما زاد من صعوبة توصيل المواد الغذائية اللازمة لبعض الفقراء في القرى البعيدة في الضفة الغربية.
|