Thursday 8th April,200411515العددالخميس 18 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجنازة وبيت جحا الجنازة وبيت جحا
جانبي فروقة

كان المفكر كلاوسفيتز (والذي كان لينين معجبا به كثيراً) يقول: (إن الحرب ما هي إلا استمرار للسياسة بوسائل أخرى) ووصف كورت فالدهايم (الذي كان أمينا عاماً للأمم المتحدة لدورتين) الأمم المتحدة بأنها (آلية للكذب من أجل تدعيم السلام)، واعترف بطرس غالي مرة بشجاعة (بأن الأمم المتحدة ارتكبت ذنباً بإهمال إجرامي عندما لم تتحرك لوقف مذبحة في رواندا، وقد غضت الأمم المتحدة الطرف أيضاً عن حرب إبادة شنتها روسيا في الشيشان حيث تم تحطيم شعب بأكمله . ورغم هذين الاعترافين وغيرهما فإن المشكلة تكمن في أنه في كل مرة يقوم فيها أحد ما بتصحيح خطأ يكون قد أصبح خارج إطار الأمم المتحدة.
عندما وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها اجتمع ممثلو 50 دولة في سان فرانسيسكو ووقعوا ميثاق إنشاء عصبة الأمم المتحدة في يونيو عام 1945م مع الأمل في وضع حد لكل النزاعات بالطرق السلمية وجعل العالم مكانا أفضل للعيش بسلام. ولكن التحدي الاول لمصداقية الأمم كان من قبل الصهاينة الذين سعوا للحصول على مباركة الأمم المتحدة لإنشاء وطن قومي لهم ، ومع معارضة دول كالفلبين واثيوبيا والصين وليبريا وهايتي واليونان عمل اللوبي الصهيوني على جر الرئيس ترومان آنذاك إلى ممارسة الضغوط من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الدول فكانت الرسالة واضحة (فإما الرضوخ أو دفع الثمن) والنتيجة كانت قرار التقسيم في نوفمبر عام 1947م والذي مهد لإنشاء وطن قومي للصهاينة على أرض فلسطين وتشريد وتهجير أبناء التراب الفلسطيني، لقد كان قرار التقسيم جائرا يحرم الفلسطينيين من حقوقهم في وطنهم ويخالف المبادىء الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة ويخرق روح ميثاقها ومنذ ذلك الوقت ومع انضمام العديد من الدول للامم المتحدة وقضية الفلسطينيين وحقوقهم هي القضية الغائبة الحاضرة في كل الاجتماعات ومنذ ذلك الحين ولدت الام المتحدة مشوهة، مشلولة بمجلس أمنها وحق الفيتو لأعضائها والذي رفعته الولايات المتحدة الأمريكية 28 مرة لتسقط القرارات التي تدين ربيبتها اسرائيل ولاسيما الأخير منها الذي يدين اغتيالها للشيخ أحمد ياسين ، واصبحت قرارات الأمم المتحدة العصا الشرعية التي ترفعها الولايات المتحدة (شرطي العالم الجديد) في وجه الدول التي لا تلتزم بها فتفرض العقوبات الاقتصادية على كل من العراق وإيران والسودان وليبيا وأفغانستان وكوريا الشمالية (سوريا على الطريق) ويكون الثمن ازهاق أرواح الأبرياء وغمس الشعوب في أتون الفاقة والفقر بينما لا تلتزم اسرائيل وسجلها مثقل بستين قراراً صادراً بحقها من قبل الأمم المتحدة. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر كيف ألزمت الأمم المتحدة اندونيسيا على سلخ تيمور الشرقية من جسدها وذلك بسحب قواتها من أراضيها لتصبح تيمور الشرقية دولة حرة، إن مجلس الأمن وبحق النقض (الفيتو) لأعضائه حوّل عصبة الأمم المتحدة إلى عصابة تسير اشرعة القضايا الدولية رياح مصالحها. ولا ننسى أن كل الشعوب التي تملك حكوماتها حق النقض لا يزيد عدد سكانها على ربع سكان العالم، إن ما يعطل تحقيق الأمم المتحدة لشريعة العدل هو حق الفيتو في أحشائها والذي يدفع مجلس أمنها إلى اعتماد شريعة الغاب وشريعة القوة.
ان القانون كما يقول أحد السياسيين (كنسيج العنكبوت يقع فيه الصغار ويضرب به عرض الحائط الكبار) وقد مزقت الولايات المتحدة الامركية ما بقي من قميص نظام العلاقات الدبلوماسية الدولية الذي أقيم منذ معاهدة ويستفاليا في القرن السابع عشر. وقفزت فوق القانون الدولي لذلك لم تتوان أمريكا في الخروج عن مظلة الشرعية الدولية في غزوها للعراق وكيف لا وهي الخصم والحكم الوحيد القوي في كثير من الصراعات والنزاعات (وتشير خريطة العالم إلى وجود 66 نزاعاً بدرجات مختلفة من الحدة منها ما هو ملتهب ومنها ما هو خامد تحته الجمر).
رغم أن الرأسمالية العالمية كانت تعد العالم ولاسيما قبيل انتهاء الحرب الباردة بمستقبل ملؤه الرخاء والسلام الدائم وبالطبع بالديمقراطية في ظل نظام السوق الحرة تكشف أن ما يدعى بالنظام العالمي الجديد ليس إلا فوضى عالم جديد وما العولمة إلا أزمة جديدة لصيرورة الرأسمالية. وبوجود قطب واحد للقوة تمثله امريكا أصبح العالم اكثر توترا وغير مستقر فالوضع أيام الحرب الباردة ولمدة نصف قرن خلق توازنا نسبيا بين قطبي القوة أمريكا والاتحاد السوفيتي ، مما أمكن من تجنب حرب عالمية بالرغم من أن الحروب الصغيرة ظلت مستمرة مثل الحرب الكورية والفيتنامية. ولم يكن بإمكان الامريكان أن يتصرفوا كما تصرفوا وما يزالون يتصرفون الآن بالتدخل بالبلقان وأفغانستان والعراق، فبأربعة بالمائة من سكان العالم تملك الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ربع ثروة العالم (ويبلغ ناتجها القومي 10.5 تريليونات دولار أي يفوق الناتج العربي بـ 21 مرة على الرغم من التعادل السكاني) كما يمثل الإنفاق العسكري الأمريكي حوالي 40% من الإنفاق العسكري العالمي وتنتج الولايات المتحدة الأمريكية 40% من الإنتاج العالمي للأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل التي تضرب الدول بحجتها بينما إنفاق المانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا مجتمعة لا يشكل سوى 11% من الإنفاق العالمي على التسلح.
واليوم تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تلقن شعبي افغانستان والعراق الدروس في الديمقراطية ولكنها تنسى أنه من غير المفيد الإصغاء إلى دروس المستعمرين في الأخلاقيات والقانون ،فهذا أشبه بمن يعلم الأسد أن يصبح نباتيا فيأكل العشب ، ومن يحاول فعل ذلك سينتهي به الحال في فم الأسد. ورغم أن لجنة تابعة للكونغرس الأمريكي (مكونة من 14 خبيرا بشؤون الشرق الأوسط وعلى رأسهم السفير إدوارد جيرجيان) قدمت في مطلع اكتوبر الفائت تقريراً عن اسباب قتامة صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي حيث جاء التقرير بعنوان تغيير العقول وكسب السلام حيث توصل التقرير إلى أن أزمة أمريكا في العالم الإسلامي لا تكمن في ضعف أدائها الإعلامي بل في سياساتها بالمنطقة ، وأنها تحتاج إلى أفعال أكثر من الأقوال . وأضاف التقرير أن الدعاية والعلاقات العامة لن تجدي وإنما الأهم السياسات ولكن التوصيات العلمية والتي انصبت في بوتقة المجال الإعلامي في نهاية التقرير جاءت مناقضة لمقدمتها النظرية، إن الشعوب لم تعد قابلة للتضليل كما كان يحدث في الماضي وقد ألف الكاتبان الامريكيان (شلتون رامبتون وجون ستاوير) كتاباً سمياه (أسلحة الدمار الشامل) وفيه يدعوان بصدق وعمق إلى تغيير السياسات الأمريكية المجحفة بحق الشعوب المسلمة وعدم تضييع الوقت والجهد في دعاية عبثية فالضحايا يحتفظون في ذاكرتهم بمعاناتهم لفترة اطول بكثير مما يحتفظ بها الجناة ، لكن لسوء الحظ فإن هؤلاء الذين ينسون الماضي يميلون إلى تكراره وهذا ما يفسر لماذا يستمر القادة الأمريكان في تبني نفس الاستراتيجيات الدعائية بدلا من تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع شعوب الشرق الأوسط ويعلق المؤلفان قائلين: إن مشكلة تلك الإعلانات ليست في أنها كاذبة لكن المشكلة تكمن في تهربها من نقاش الموضوعات التي تشكل أساس السخط الإسلامي على أمريكا وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتاريخ تدخل الولايات المتحدة في المنطقة فما يؤثر على الرأي العام الإسلامي هو ما تفعله امريكا لا ما تقوله لذلك لن يستطيع المارد الأمريكي بصولجانه من الميديا والدعاية والإعلان أن يقنع الفلسطينيين ان شارون رجل سلام أو يقنع العراقيين بأن الإعمار يأتي عبر الاستعمار.
ورغم أن المشروع الأمريكي (الشرق الأوسط الكبير) ينصب في خانة القول للإعلام الأمريكي إلا أنه يمثل تحدياً فريدا للمجتمع الدولي والعربي فمجموع الدخل لـ 22 دولة عربية هو أقل من الدخل القومي لإسبانيا وحدها ويتوقع في عام 2020م أن يدخل سوق البطالة 100 مليون شخص وأن حوالي 40% من العرب البالغين (65 مليون شخص) أميون ، وتشكل النساء ثلثي هذا العدد ويعيش ثلث أبناء المنطقة على أقل من دولارين في اليوم، فالمنطقة تقف على مفترق طرق ومجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى والتي ستعقد قمتها في يونيو المقبل لابد ان تصوغ شراكة بعيدة المدى مع قادة الإصلاح في الشرق الأوسط الكبير وتتفق على أولويات الإصلاح وإلا أصبح بيت الشرق الأوسط الكبير العتيق كبيت جحا الذي مرت يوماً بقربه جنازة وكان ابنه معه فسمعا في الجنازة امرأة تولول وتندب الميت قائلة: يا حسرتي الآن يذهبون بك إلى بيت لا فراش فيه ولا غطاء ولا خبز ولا ماء. فقال ابن جحا: والله يا أبي إنهم يذهبون إلى بيتنا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved