قد لا يكون مستغربا أن تسود أمة من الأمم لحقب زمنية, ثم يخبو بريق سيادتها، ليحل محل أمة جديدة في سباق السيادة هذا. فالتاريخ الإنساني مليء بالنماذج الحية التي تؤكد أن الحياة الدنيا دول بين الناس، حيث لا يمكن ان تحظى أمة دون أخرى بكل أشكال ومضامين السيادة الأبدية، ذلك أن الإنسان كان (ظلوما جهولاً) فكأنه يسعى ليفسد بشماله ما أصلح بيمينه، فتجري عليه سنة الله أن يهبط في سلم الحضارة الإنسانية ليحل محله إنسان آخر، بدأ - للتو - يصلح بيمينه ما كانت أفسدت يسراه. وهكذا دواليك. وبذلك، يبدو أن مهارة الإنسان ليست في احتكار السيادة، ولكن في قدرته على الاحتفاظ بها لأطول وقت ممكن. وعند التسليم بكثير مما ورد, فلعل الأهم اليوم - والعالم يمر بمرحلة تحول جذرية في المفاهيم والقيم والسلوكيات - أن تجرى عملية سريعة لاستقراء الواقع واستشراف المستقبل القريب. إن التحولات الراهنة نذير - كما يبدو - بقرب إمضاء سنة الله في السيادة على الأرض، حيث بدأت الدول الكبرى (المتمتعة بالسيادة الحالية) تحيد عن منهجها في العدل المجتمعي والدولي، وتغير من سياستها في موازين العلاقات الإنسانية لتطغى المصلحة الخاصة جدا على كل المصالح الأخرى، وهنا يبدو أن العالم بانتظار (سيد) جديد. فمن الممكن ان نفهم ان الله قد مكن تلك الدول من السيادة وإن كانت كافرة، لأن مقياس السيادة، كما يفهم تاريخيا، ليس بالقول، ولكن بالقيم والافعال، فيوم عدلت أمريكا وانصفت، سادت. ويوم أن بدأت تُفسد بيسراها ما كانت أصلحت يمناها، ظهرت - اليوم - تترنح في مفهوم السيادة والقيادة، والحضارة المشرفة. وكأن مركز أرجوحة الحضارات بدأ يتململ مؤذنا بخليفة جديدة للدولة العظمى التي تسود لكنها - كما يبدو - ستترجل عن صهوة جوادها لتمتطيه أمة أخرى. ولأن تلك الأمة لم تظهر ملامحها بعد، فياليتنا نكون على المقعد الآخر المنخفض من مقعدي الأرجوحة، إذاً، لأدى انخفاض الآخرين إلى ارتفاعنا، وتولينا - من جديد - دفة القيادة لهذا العالم المسكين، إلى أجل يعلمه الله قد نبيد فيه من جديد. ربما أتينا - اليوم - لصالح يعلمه الله لنا, أن نفيق من غفوتنا، ونصحو من رقدتنا، وننهض بعد ان كنا قاعدين, ونسود بعد أن كنا مسودين. لكن هذا الامل العظيم رهين بقدرتنا على استشعار الموقف واستقراء المتغيرات الراهنة والمستقبلة، وكسبها لصالحنا، وما ذلك على الله ببعيد، إن هو اراد - سبحانه - لنا أن نعود.. أو نقود.. او نسود, وعسى ان نكره شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا.
(*)عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|