* جدة - خالد صالح الفاضلي - تصوير - أحمد قيزان:
مضت أول 6 أسابيع على بدء تطبيق السعودية تجربة عالمية تعتمد على توأمة معاهد عسكرية مع معاهد مهنية (مدنية) بغية إنتاج 30 ألف شاب خلال 3 سنوات، مسلحين (بدبلومات فنية) ومعجونين بروح الانضباط واحترام العمل بعد أن اعترفت المؤسسة العامة للتعليم المهني والتدريب الفني بعدم قدرة أنظمتها الحالية ومناهجها على غرس روح الانضباط في أجساد آلاف السعوديين الخارجين من أبوابها بشهادات تقنية متوسطة وعالية.
جاء تدشين التجربة بأمر مباشر من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، مدعوماً برصد 270 مليون ريال لإيجاد بيئة شراكة مناسبة بين مراكز التدريب العسكرية و(المؤسسة العامة للتعليم المهني والتدريب الفني) لتطبيق تجربة بريطانية حققت نجاحات متقدمة، يتعشم مسئولو الحكومة السعودية أن يجدوا فيها أبواب تخرجهم من مآزق رفض القطاع الخاص قبول شباب سعوديين بحجة ضعف (وازع العمل) لديهم، وميلهم للكسل والتسرب، وكذلك تدني أخلاقيات العمل.
ينقسم برنامج التوأمة (المهنعسكرية) إلى ثلاث شعب رئيسة يشترك فيها وزارة الدفاع، الأمن العام، والحرس الوطني كل على حدة مع المؤسسة العامة للتعليم المهني بصفتها الشريك الأساسي، في حين أمضت ' الجزيرة ' نهار يوم الاثنين الماضي بين أحضان التجربة في مركز تدريب الحرس الوطني بالغربية بقيادة العقيد عبدالله بن مرزوق ومساعده العقيد علي مرعي العمري، وشريكهما من المؤسسة العامة للتعليم المهني الدكتور مصلح بن حامد العتيبي، المندفعين بقوة لإدارة وتحريك مجموعة ضباط وأفراد متحمسين لضخ قيم العمل في ذهن 3000 حامل ثانوية بمقومات الشخصية العسكرية السوية بشمولية انضباطها داخل الثكنات أوخارجها قبل تسليمهم لمجموعة من المدرسين المدنيين لرفع مستوى مخزوناتهم المعرفية في مجالات اللغة الإنجليزية، الحاسب الآلي،الثقافة الإسلامية، ثم إلى مدربين يلقنونهم تخصصات تقنية تغطي احتياجات السوق المحلية في القطاعين الحكومي والخاص.
من ناحيتهم، يقوم العسكر بتدريب ضيوفهم ( الطلاب المدنيين) على المشاة والتربية العسكرية، الواجبات والأنظمة الإدارية، مثاليات استخدام الطرق،لياقة بدنية، سلوك، مواظبة، ووسائل السلامة، فيما دست مؤسسة التعليم المهني في جيوب الطلاب 600 ألف ريال قبل ثلاثة أيام كمكافأة شهرية (بمعدل 600 ريال للطالب)، في حين أكد الدكتور مصلح العتيبي أنه شخصياً أشرف على بناء معامل لغة إنجليزية حديثة بفاتورة وصلت لسبعة ملايين ريال خلال الشهر الأول من استضافة الطلاب.
وفي السياق ذاته، كان رجال الأعمال السعوديون يصرخون في كل منتدى ومؤتمر (أن حملة المتوسطة والثانوية ومراكز التدريب الفني وكليات التقنية والسواد الأعظم من الشهادات الجامعية غير حريصة على التقيد بمتطلبات وظائف حصلوا عليها تحت مظلة السعودة أوبمبادرات مباشرة من شركات سعودية)، فيما أكد لـ(الجزيرة) الدكتور العتيبي أن المؤسسة العامة للتعليم المهني ماضية في استقطاب بقية الآلاف العشرة وتدريبهم على تخصصات تقنية فنية بدرجة دبلوم ممزوجة برفع درجة انضباطية الخريجين.
وكشف الدكتور العتيبي عن تأسيس مكتب ( شئون الخريجين ) وهومعني بالبحث في دهاليز القطاعات العسكرية عن (شواغر ) تستوعب 25% من خريجي البرنامج الجديد، وذلك إنفاذاً لتوجيهات سموولي العهد بتوفير وظائف عسكرية لهم ضمن تخصصات دراستهم، مؤكداً أنه وجد في شخص العقيد عبدالله مرزوق شريك متوثب لتطبيق كل المبادئ القادرة على أمر ولي العهد.
من ناحيته، تحدث العقيد عبدالله محمد مرزوق لـ(الجزيرة)قائلا :إن مركز تدريب الحرس الوطني استقبل 3 آلاف طالب، وهي كامل حصته في المرحلة الاولى، إضافة إلى تسجيل 100 طالب على قائمة الاحتياط، مشيراً إلى أن بريق الانتماء للحرس الوطني كان فاعلاً في جذب أعداد كبيرة من الشباب، ومؤكداً أن المقبولين لاحقاً في قطاعات الحرس الوطني ينالون تدريبات إضافية، كما قدم ورقة عرفان للمؤسسة العامة للتعليم المهني نظير نجاح تجربتها في فنون الإدارة والتدريب، وقال (استفدنا من تجربة المؤسسة في بناء المناهج، طرق الأداء العلمي، وأسلوب الاختبارات).
وأكد مساعد مدير المركز العقيد علي مرعي العمري خضوع جميع الـ 3 آلاف طالب لقوانين مركز التدريب بحذافيره عن طيب خاطر، مستشهداً بأن 13 طالبا فقط انسحبوا لأسباب تتعلق بتزامن قبولهم في وظائف بعد مرور أسبوعين من انخراطهم في البرنامج، ومشيراً إلى أن جميع ضباط وأفراد مركز تدريب الحرس الوطني في منطقة مكة المكرمة يتعاملون مع ضيوفهم الجدد بروح وطنية عالية جداً، في حين أشار النقيب فيصل خالد العاكور ( أحد ضباط المركز ) إلى أن الضيوف الجدد تحولوا إلى مزارع خصبة لروح الانضباط والالتزام ترافقهم على امتداد حياتهم الاجتماعية والعملية كانت مدنية أوعسكرية، مؤكداً أن قيادة المركز (يقصد العقيدين عبدالله وعلي) مهتمة بتنفيذ أوامر سمو ولي العهد وخدمة الوطن، وتنظر إلى أن المهمة عسكرية وطنية من الدرجة الأولى، وأضاف (تم تكليفي وزملائي من كتيبة الشرطة العسكرية بتدريب الطلبة على المثالية في استخدام القوانين المرورية، إيضاح السلوكيات الإيجابية والسلبية لمستخدمي الطرق).
ويتفق العقيد عبدالله محمد مرزوق وشريكه في المكتب المجاور والمهمة الدكتور مصلح العتيبي على أن التحدي الثاني يكمن في كيفية تسويق الخريجين على القطاع الخاص المعول عليه استيعاب 50% من الخريجين، ويناديان وسائل الإعلام والغرف التجارية بفتح عيونهم وملفاتهم على مخرجات المركز خلال الأشهر القادمة، مع استذكار أن تجارب عالمية مماثلة حققت وفرا في الأيادي الوطنية الموصوفة بعلو انضباطها والتزامها بقوانين منشآت تسابقت على استقطابهم حتى قبل تخرجهم بأشهر عديدة، فيما أوضح الدكتور مصلح أن الـ 50 % المتبقية تنقسم إلى 25% للقطاع العسكري، و25% تنال فرص تعليم وتدريب أكاديمي عالٍ مضمونة من ميزانية المؤسسة العامة للتعليم المهني. كما أوضح العقيدان وشريكهما الدكتور مصلح أن الثلاثة آلاف طالب يخضعون لقواعد التدريب العسكري بما فيها الحضور إلى المركز من عصر الجمعة وعدم الخروج إلا بعد صلاة العصر ليوم الأربعاء.
وأشار الدكتور العتيبي إلى أن ذاكرة المؤسسة العامة للتعليم المهني مملوءة بحقائق عن عدم قدرة غالبية خريجي مراكزها وكلياتها المدنية على التأقلم بسهولة مع متطلبات مؤسسات القطاع الخاص من زوايا الالتزام بقوانين وساعات العمل، مستشهداً بأن طالب الكلية المدنية كان يصنع دوماً زوابع من أجل إضاعة وقت هيئة التدريس، أما طلاب المعهد العسكري فإنهم يتحركون مثل النحل داخل الخلية ؛ لكن الدكتور العتيبي حذر من فتور همة هيئة التدريس في برنامج التدريب العسكري المهني لأن جميع أعضاء هيئة التدريس ( مدنيين وعسكريين ) باتوا ينفذون مهام أكثر، وتحتاج جهدا مضاعفا دون نيل حوافز مالية تشجيعية إضافية، وينادي المعنيون بالأمر احتساب جزء من ميزانية الـ 270 مليون ريال كمكافآت تشجعية للهيئة التدريس والتدريب بشقيها العسكري والمدني، وقال معلقاً على ذلك ( لا نعطيهم ولا نأخذ منهم، هناك من يريد من الناس بذل جهد أكثر دون حوافز، ولعل ذلك خطأ كبير).
يوميات الطلبة
يدخل الطلبة إلى مركز تدريب الحرس الوطني من بعد عصر يوم الجمعة ويستمرون في تنفيذ مهام عسكرية ودراسية إلى ما بعد صلاة عصر يوم الأربعاء، ويبدأ يومهم قبيل صلاة الفجر وينتهي بعد صلاة العشاء،مشتملاً على تأدية الصلوات الخمس،التشارك في الوجبات الغذائية الثلاثة، وتمارين عسكرية، إضافة إلى المحاضرات الدراسية،ثم يهجعون في عنابرهم السكنية.
انطباعات زيارة (الجزيرة)
يرتقي مركز تدريب الحرس الوطني بمنطقة مكة المكرمة عن كونه ' ثكنة عسكرية ' بوجود رجال تسكن أجسادهم الرشاقة وعقولهم ازدواجية الحزم العسكري وديموقراطية الأداء المدني، فيما تنحاز العين دائماً لمتابعة العقيد عبدالله محمد مرزوق بقامته النحيلة المتنقلة دون توقف بين أركان المركز من كرسي القيادة إلى بوابة الخروج حيث يسعى شخصياً لاستقبال الضيوف بنفسه في دلالة على روح عملية لا تتوقف عن الحركة.
تكشف زوايا مركز تدريب الحرس الوطني عن وجود رجال يعون تماماً واجباتهم، والذين يختارون أفضل الطرق لتنفيذها، كما أن عساكر المكان فتحوا صدورهم وعقولهم لمشروع سمو ولي العهد، واستقبلوا 3 آلاف طالب وكتيبة مدنية من الأساتذة والمدرسين، وساعدوهم على استثمار كل جزء من مباني المركز.
تغفو كل مساء عيون الطلبة على أسرة ( ذات دورين ) متجاورة على شكل خطين متوازيين بينهما ممر يمتد بطول عنبر مستطيل يحتوي علىعشرات الطلبة، ويتجاور مع عنابر أخرى يطغى عليها حضور النظافة والتنسيق،وكأنها مشاهد خلفية لأفلام هوليوود، إضافة إلى هواء بارد ونقي،أما أثناء ساعات الدراسة فيرتدي الطلبة ملابس رياضية تختلف ألوانها بحسب النشاط المكلفة تعاطيه.
ويحتوي مكتبا قائد المعهد ومساعده على شاشات تلفزيونية تغطي غالبية زوايا المعهد وميادينه، بما فيها قاعات محاضرات طلبة برنامج التدريب المهني العسكري، في حين لا يزال مكتب شريكهما الدكتور مصلح العتيبي في حالة تأسيسية تؤكد أن الرجل لا يهتم بتفاصيل الرفاهة الإدارية.
من جانب آخر يحتاج الـ 3 آلاف طالب لحملة تسويقية تمهيدية تفتح أبواب القطاع الخاص لهم، ويتوجب أن تعمل الغرف التجارية في مكة المكرمة وجدة على بناء جسور بين الخريجين والقطاع الخاص قبل أن يجد 50% من الخريجين أنفسهم في نقطة البداية بعد سنة كاملة من الجهد.
| 
