من المسلمات في واقعنا المعاصر الأهمية المتزايدة للاقتصاد ولقضاياه في الحياة اليومية وتسييرها سواء بالنسبة للأفراد أو الشعوب أو الحكومات، حتى ليتخيل المرء أن كل شيء قد أصبح مرتبطا بالاقتصاد فما إن يحصل أمر ما إلا ويأتي التفسير أو المبرر الاقتصادي لهذا الحدث في المقدمة، ولا يتخذ قرار معين إلا وتأتي الاعتبارات الاقتصادية على رأس القائمة. وقد جعل ذلك من الاقتصاد مادة إعلامية دسمة وأصبح الجميع اقتصاديين بالفطرة والممارسة لا بالدراسة والخبرة والدربة.
وتصور البعض انه من خلال ممارسته اليومية الاقتصادية في المنزل والسوق قد تحول إلى خبير اقتصادي قادر على تشخيص العلة ووصف العلاج أو أنه أصبح محللا اقتصاديا بإمكانه تحليل الظواهر الاقتصادية ودراستها دراسة علمية متخصصة تمكنه من إعطاء الرأي السديد الذي لا يجوز تجاوزه.
وتكون الأمور أكثر سوءا عندما يمارس هذه السلوكيات بعض من المشتغلين بالإعلام على اختلاف أنواعه، وهنا تظهر المواهب، والتي ربما هي مفيدة لوحدها في مجالات أخرى لكنها ليست كذلك في الاقتصاد. وليس من المبالغة القول بأن وسائل الإعلام لدينا أصبحت تحفل بمجموعة من الغرائب والطرائف بسبب عدم إدراك من يتطرق للموضوعات الاقتصادية لطبيعتها ولأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الإعداد الجيد لما ينوون القيام به من عمل. فعلى سبيل المثال -لا الحصر- نشرت إحدى الصحف قبل أيام في صدر صفحتها الأولى عنواناً مفاده أن قطاع السياحة في المملكة سيوفر أكثر من مليون وظيفة للشباب السعودي، والإثارة الإعلامية وإن كانت مناسبة أحياناً إلا أن الناس يتعاملون مع الواقع ومع متغيرات حقيقية. وفي إطار السياحة أيضاً لا نعدم تقريراً يطالب الجهات المختصة بتوفير مجموعة من البنى التحتية لقرية صغيرة مثل شبكة مياه وكهرباء ومدارس وطرق، إضافة إلى توفير مرافق سياحية تدعم قطاع السياحة في هذه القرية النائية.
أما موضوعا السعودة والخصخصة فقد أصبح الناس شركاء فيهما، فقد نشر حوار صحفي مع مسؤول عن أحد المنتديات الاقتصادية العالمية، وكان من ضمن الأسئلة التي وجهت له سؤال عن نسبة السعودة بين موظفي المنتدى، وعنوان آخر في صحيفة أخرى يتحدث عن معاناة قطاع معين وأن الحل هو العمل على سعودة هذا القطاع. وفي جانب آخر نجد من الصحفيين والإعلاميين من يطالب بخصخصة كل ما تقع عليه عينيه من مدارس وجامعات ومستشفيات وطرق ومرافق. إلى غير ذلك من الأمثلة التي تثير السخرية أحياناً.
ومرد ذلك -في رأيي- في هذه الحالات وأمثالها عدم إلمام من يتصدرون للقضايا الاقتصادية بالموضوعات التي يتطرقون لها، وربما لم يكلف بعضهم نفسه قراءة ولو صفحة واحدة عن الموضوع الذي يكتبون عنه أو يتطرقون له بشكل عام، وربما كان الموضوع شغل الساعة وكل ما يحتاجه الأمر متابعة ما يذاع عنه وينشر في القنوات الإخبارية والصحف. ومثل هذا لا ينم عن مجرد جهل الشخص بطبيعة الموضوع الذي يناقشه بل إنه يعكس جهله بأهمية وخطورة المهنة التي يزاولها.
|