Wednesday 7th April,200411511العددالاربعاء 17 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفصل.. والوصل...!. الفصل.. والوصل...!.
إبراهيم عبد الرحمن التركي

(1)
** في زمننا لم تكن (المسافةُ) بيننا وبين (آبائنا) أكثرَ من سنواتٍ محدودةٍ بالقياس الزمني (الفاصل) بين (ولادتين).. و(الواصل) بين جيلين..!
** لا عوائقَ في لغةِ (الفهم).. ولا حواجز دون (التفاهم).. لهم (أصدِقاؤُنا) كما لنا.. و(اهتماماتْهم) مثلّنا.. يعرفون تفاصيلنا كما نخترقُ تفاصيلهم.. لا تحجبهم عنا (استراحةٌ) يمنع دخول الصغار إليها.. أو (سفراتٌ) لا تدرك اتجاهاتها.. أو (غداءاتُ) عمل و(عشاءاتُ) سهر..!
** نسافر معهم في (الصيف) داخل الوطن، ونخيِّم معهم في (الشتاء) خارج المدينة.. ونتداخلُ في أعمالهم، ونعرفُ مسؤولياتهم، ويشاركوننا طموحاتنا.. لنزيد في أعبائهم..!
** لا يخفون عنا توجهاتهم، ولا نخفي عنهم رغباتنا،.. ونتفحص قراءاتهم.. ونتابع معهم القناة الأرضية الوحيدة.. وقد نجامُلهم في الاستماع للأخبار والحوارات، كما قد يسعدون - لأجلنا - في مشاهدة (باباي البحار) - وهو المسلسل الكرتوني الوحيد حينها - .. ونستمتع معاً بحلقات المسلسل (الأسبوعية) قبل أن تتحول إلى يومية..!
(2)
** توطئةٌ للمقارنة بين جيلنا وآبائنا.. ونحن ومن هم أصغر منا.. دون أن يعني ذلك (إحراق بخور) لجيل سبق أو عِتاباً لجيل لحق، فالقضية حِراكُ جيل انعدمت فيه المسافة بين آبائنا وآبائهم، وتضاءلت بيننا وآبائنا.. واتسعت مع أبنائنا، وسوف تبدو - إلا أن يتداركنا الله - فجوة بين أبنائنا وأبنائهم..!
** مر زمن كان فيه الأبُ هو الجد.. والجدُّ هو الحفيد.. وكانت (الأدوار) تتكرر - كما عبّر شاعرُنا الغائب محمد الميموني في بيته الذي استشهد فيه صاحبكم (معدّلاً) أكثر من مرة -:
* أنا أبي.. وأبي جدي.. (سئمتُهما)
إني لأخجل من تكرار أدواري
** وإذن فهو يراهُ (مثلبة)، ومعه غيره في رؤيته هذه، ويراه صاحبُكم - ويوافقه آخرون - (منقبة).. فالحوار المقطوعُ بين الأجيال وبناء شخصياتٍ مختلفة لكل جيل.. وتضاؤل العوامل المشتركة التي تجمعُ الكبار والصغار إشارة إلى (ضعف) يمكن أن يصبح (قوة) إذا خلص (التكرار) من الحصار.. وقاد الافتراق إلى اتفاق..!
(3)
** بينما ننشغل (بالأخبار) و(التحليلات) يُتابع (أبناؤنا) تصفيات (ستار أكاديمي وسوبر ستار).. وتُهمنا تطورات الأوضاع المحلية والعالمية.. ومشروعات الشرق الأوسط الكبير.. وموضوع الإصلاح والوحدة الوطنية وثقافة الحوار والعنف.. وتُهِمّ بعضهم أنواع السيارات وأحدث الأغنيات، وتُهِمّ آخرين أوضاعهم الشخصية، ومآسي الآخرين والأبعدين في أمتهم الشجيّة..!
** جيل المدارس وحتى الجامعة ومن هم أكبر قليلاً ولدوا وقد وّقع (أنور السادات) أول وثيقة عارٍ.. بعدما زار (القدس)، والتقى مجرمي يهود، وخطب في الكنيست.. وحين وعى هذا الجيل..
كانت خطب الهدير القومي التي تتوعد برمي إسرائيل في البحر قد توارت وحل محلها خطاب (ناعم) أو ربما (خائر)، وجاءت مفردة (السلام) لترث (لاءات الخرطوم)، وطغا (إعلام) الاستسلام يُجهض نبضات الترقب لموعدٍ قادم مع السلاح يعيد الأرض، ويصون ما بقي من العرض..!
(4)
** لم يطرحْ جيل الآباء أسئلة كبيرة حول قضايا شائكة تمسُّ العبادات والمعاملات والموقف من الكون وخلافات الفِرق.. ثم جاء جيل الأبناء فطرحها.. لكنه اقتنع بأن لا طائل من كثرة الجدل، وآمن بوسطّيته (عمراً).. وتوسطه (منهجاً)، فلم يلغ السؤال.. ولم يتوقف عند الإجابة..!
** أما جيل (الأحفاد) - وهو جيل (المدرسة والجامعة) اليوم - فقد افترق بين (مترف) تهمه إجازة الصّيف، وإنعاش الكيف، و(متعب) يشارك أسرته همّ العيش، فيقلقه واقعه، ويحبطه مستقبله، وقد تتلقفُه (جماعات) تختصرُ له طريق (العمل) و(الأمل) و(الأجل)..!
(5)
** للحقيقةِ أكثرُ من مفهوم.. إذْ يراها (المصلح) بشكل، ويحسبها (رجل السلطة) بشكل، ويفترقُ (المثقف) عن (العامي) في تحليلها، كما يختلف (الإسلامي) عن (العلماني) في فهمها، وبالمثل فإن (جيلاً) تأتلف فيه الأنماطُ المفترقة كما في جيل الشباب الحالي ستبرز اختلافاتُه حول الحقيقة كما لم تبرز في الأجيال السابقة التي لم تعانِ من طرفيّة الآراء كما يعانيها - اليوم - من تلاهم..!
(6)
** نقل نصر أبو زيد - في كتابه (الخطاب والتأويل) - ط أولى ص19 - عن الشيخ أمين الخولي رؤيته أن الأفكار إذْ تجد خواءً وخلاءً في العقل تعشش حتى يصعب إخراجها منه مهما كانت درجة زيفها..!
** وأشار - في سياق نقله - إلى دور التكرار أو الترديد في تحويل الفكرة إلى (عقيدة) لا يمسها منهج النقد والتحليل، وأكد أن (التجديد) لا يستقيم إلا بعد قتل (القديم) بالبحث والفحص والتمحيص..!
** ولعل من أبرز المزايا التي حصل عليها الجيل الجديد في مرحلة (التكوين) المهمة في (الغرس) و(التأصيل) وجودَ مساحات ممتدة للحوار حول (المسكوت عنه) و(المحرم دخوله)، ولم تعد الوسائط المعتادة الهادئة الوادعة ذاتَ وجود فاعل في تكوينهم.. فقد تقهقر دور المنزل والمدرسة - رغم أهميتهما -.. وخسرت الوسائل (الإعلامية) و(المنبرية) (الرسمية) جوَّها ووهجَها.. بل ربما أدت دوراً مضاداً لما تودّ رسمه بعد أن تضاءل اقتناع الجيل الجديد بها، واتكاؤهم على معلوماتها وتوجيهاتها..!
(7)
** في زمنٍِ مضى كان (للمناظرةِ) دورُها في تقديم (الحقيقة) - حسب رؤية الباحثين عنها -.. وكان لكُل (الحقّ) في الأخذ والرد، مع وجود (السلطة) حكمَ عدلٍ أو جور تميل إلى (كفةٍ) تارة.. وإلى أخرى تارة، وتتغير اقتناعات (منفذيها) حسب تغُّير (قادتها)..!
** حصل ذلك للفكر (المعتزلي) أيام (المأمون) ثم أيام (المتوكل).. فتبادل (العقل) مع (النقل) ثقلَ وجودهما في دوائر (الحكم) و(الجماهير).. وانشغلت الأمة (بقضايا) يراها (مؤرخون) ذات توجيهٍ سياسيٍ حين طُلِب - بأمر رسمي - ترك الجدل والتسليم بالتقليد، وتوارى دور (الفلاسفة) في مقابل (المحدِّثين)..!
** هنا إشارةٌ تضم مؤشرات فالانتصار والهزيمة لا يحققان (بإملاءات) أو (احتكارات).. وإذا استفاد (أبو الحسن الأشعري) - مثلاً - من دعم سلطوي فقد عادت محاكمتُه في زمنٍ سلطوي آخر.. وهكذا علا (أبو حامد الغزالي) زمناً ليحاكم في زمنٍ آخر، ومثلهما (أحمد بن حنبل)..
وسواهم في أزمنة وأمكنة مختلفة..!
(8)
** الحديث - هنا - لا يمسُّ (المترف) الذي سلبت منه فضيلةُ (التحدي) فوجد نفسه تائهاً.. قيمتُه في ثرائه وشكله، وقِمتّه في أصله وفصله، وإنما يهتم بجيل جديد كادحٍ تعرض لكل التيارات، وجرب مختلف القراءات، وخرج برؤى تختلف عن جيل آبائه وأجداده ممن آمنوا بوظيفة (الرضا) و(التسليم) والإيمان المطلق بكل شروط الظرفِ المُعاش المسيطر على العقل... المفسّر للنقل، المجذّر لأهمية الغَيْب في تبرير الحسن والعيب..!
** لا يمكن للسلطة - أياً كان نمطها وموقعها.. في المنزل والمدرسة والشارع والمؤسسة - أن تعامل (الجيل) الحالي كما كان يُعامل الجيل السابق.. فقد شب الطفل.. ونما القاصر.. وتعلم الجاهل..!
* التغيُّر ناموس حياة..!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved