Tuesday 6th April,200411513العددالثلاثاء 16 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ورحل رائد الإعلام الجاد عبدالقادر طاش ورحل رائد الإعلام الجاد عبدالقادر طاش
د. إبراهيم بن عبدالله السماري

التاريخ الناصع يجبرك على احترام صاحبه، وينتزع من جوانحك خفقات الإعجاب بقدرته على العطاء، وفي دائرة هذا الوعي كان الأخ الفاضل الدكتور عبدالقادر طاش - رحمه الله- رائداً من رواد الإعلام الجاد، صنع لنفسه في السجل الإعلامي تاريخا ناصعاً، وبنى فأعلى البناء بعطاءاته الخيرة المتواصلة؛ ليحقق رسالة الإعلامي الجاد المؤمن بأنه مسؤول عن توجيه فكر وثقافة المجتمع، وليحلّق بها إلى الوجهة التي سخر الله عز وجل للإنسان من أجلها هذه الوسيلة المهمة والخطيرة في ذات الوقت.
عرفت الفقيد الغالي -رحمه الله- أكاديمياً نشطاً في قسم الإعلام بكلية الدعوة والإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم ساعياً لتطبيق قناعاته الفكرية والإعلامية في واقع الناس عن طريق جريدة (المسلمون) عبر طرح جاد يزهر فيه التشويق الإعلامي المبني على أسس علمية تجمع نبل الأهداف وطهارة العطاء في صعيد واحد، بعيداً عن الإسفاف والابتذال أو التقوقع في تقليدية النمطية السائدة بدون مسوغ.
للدكتور عبدالقادر طاش - رحمه الله - في مسيرته الإعلامية أوليات وريادات لا يمكن إلا أن تجعل المنصف بل العاقل يشعر نحوه بالتقدير والاحترام والدعاء، فقد تسنم مناصب قيادية أكاديمية وإعلامية وغيرها فما عرف عنه أنه أثار غبار النقع في قضايا هامشية - كما هو شأن كثيرين - انتصاراً للذات أو استغلالاً للمركز القيادي، فاستحق - بحق - أن يكون صديق، بل حبيب الجميع بدماثة خلقه وجميل صنيعه، وتواصله المثمر دوماً، إنه بصدق رجل آمن برسالته، فأداها بأمانة وجد، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً.
أكاد أسمع الآن كلماته ترن في أذني وهو يتصل بي من مكتبه في (المسلمون) يطلب مني مقالاً أو مشاركة، وأنا ما زلت في حجرات الدراسة بكلية الدعوة والإعلام فأستصعب الأمر، لتتابع بعد ذلك مقالاتي في الجريدة.
ثم تنتقل مسؤولياته - رحمه الله - إلى جريدة البلاد فيراسلني حاثاً على التعاون والكتابة، وكذلك الحال عندما أشرف على ملحق الرسالة بجريدة المدينة، فهو باختصار رجل جاد ويستثمر محبة الناس له وتقديرهم لجهوده وشخصه وتسخير ذلك لمصلحة رسالته الأسمى، وهي تحقيق الوعي الصحيح في فكر وثقافة الأمة من خلال فكر وثقافة المجتمع.
ربما أكون خذلته في مواقف عدة، تكاسلت فيها عن الاستجابة لطلبه فأشعر بالندم لأني أشفق عليه وهو ينوء بحمل رسالته الهادفة بدون كلل أو ملل، فتبهرني قامته الممدودة التي تعانق الإبداع في سلاسة غير عابئة بكواسح العواصف وصعوبة العقبات.
قلت إن الفقيد الغالي عبدالقادر طاش - رحمه الله - كان رجل الإعلام الجاد ورجل الأوليات والريادات، وأقول الآن إن لمساته الإبداعية قبل خطواته الجادة في جريدة (المسلمون) ثم في قناة (اقرأ) تؤكد هذه الحقيقة الناصعة وإن الرجل رجل مبادئ وتطلعات، ولم يكن يشغل نفسه أبداً بالصغائر وما أكثرها في الوسط الذي كابد فيه، ولم يلتفت إلى المشاغبات من أعداء النجاح وما أكثرهم في كل المواقع التي زرع فيها جهوده وعطاءاته ليجني ثمارها اللاهثون خلف التميز الحقيقي للرسالة الإعلامية الجادة.
عبدالقادر طاش - رحمه الله - كان رجلاً إعلاميا ملتزماً برسالته الإعلامية، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات، وبجميع ما تفرضه من التزامات، ودليل ذلك أننا لم نعهد منه إساءة لأحد وإن بدأ الإساءة، أو تشنيعاً على أحد لا يستحق التشنيع، ملتفتاً بكل طاقاته إلى رسالته أولاً ثم إلى مسؤوليته العملية ثانياً.
الذين كانوا يتابعون عطاءاته الثقافية عبر إطلالاته الإعلامية يدركون أن كلماته تغترف بوحها من رحابة مخزونه الثقافي، وجمال روحه القادرة على تحويل الكلمات إلى صور حية يكاد القارئ أن يلمسها بيديه بعد أن شعر بأنه قد لمسها فعلاً بقلبه ووجدانه، إدراراً للأفكار، وحضناً لكثير من التطلعات الشغوفة إلى تواصل مثمر، يجعل المتلقي يدرك - دون عناء - أن عُلُوَّهُ إلى مرتبة التأمل الذهني الواعي يجعله قادرا على رؤية أكبر مساحة من التصورات، ليصل إلى تفسير صحيح للأشياء.
قليل هم الرجال الذين يحملون مواصفات الفقيد الكريم، وفي الوسط الإعلامي المائج بأطياف متناقضة من القناعات والطموحات والأهداف يظل صنف هذا الرجل نادراً، يجعلنا نتحسر على رحيله، غير أننا نرجو من الله عز وجل أن يكون في أعلى عليين جزاء ما قدم - والله حسيبه - من خير لنفسه ولمجتمعه ولأمته، ونخشى الليلة الظلماء التي نفتقده فيها كما يفتقد فيها البدر بضيائه وسطوعه.
أخي عبدالقادر لقد كنت رجل أوليات ورائداً من رواد الإعلام الجاد، ولا أظن أن وفاء - مهما كان حجمه، ومهما بلغ اتساعه - يستطيع أن يثمر (ليجزيك أجر ما سقيت لنا) من نهر جودك وتعاطفك، ولكن من حقك علينا وعلى كل مقدر للجهود الخيرة أن تحظى بالتكريم والتقدير، ولو بعد مماتك، بعد أن شبعت من الجحود في حياتك.
نعم من حق رائد الإعلام الجاد الدكتور عبدالقادر طاش - رحمه الله - أن نحيي ذكره عبر صورة من صور الوفاء كتسمية قاعة من القاعات الثقافية أو الإعلامية باسمه في جامعته التي تعلم فيها أو في إحدى المؤسسات التي تسلم قيادة مسؤولية من مسؤولياتها أو تنظيم ندوة متخصصة بشأن الرسالة التي آمن بها وعمل لأجلها، وهي الإعلام الجاد، تحمل اسمه، وتدرس منهجه وتوضح جهوده، أو تكريمه بجائزة من الجوائز الثقافية في بلادنا الحبيبة وما أكثرها ولعل المهرجان الثقافي بالجنادرية يفعلها، أو بغير ذلك من صور الوفاء وهي كثيرة، والفقيد يستحقها وأكثر.
رحمك الله أيها الفقيد الغالي ، وإنا - والله - على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا ما يقول الصابرون {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (156) سورة البقرة .
وبالله التوفيق.

ص ب 30242 الرياض 11477


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved