نعم، رحل عبدالقادر طاش الصديق الذي فرش طريق الصداقة بأزاهير الوفاء، والنُّبْل، وحسن الأخلاق، ونشر عليها ظِلال الصدق والإخلاص، رحل عبدالقادر الذي حمل الفكرة المضيئة، ورسم بقلمه الجميل ملامح الكلمة الواعية، وأطرب السمع بصوته الإعلامي الواثق الوقور.
رحل عن الدنيا رحيلاً صامتاً، هادئاً، وقوراً مناسباً لشخصيته الهادئة الوقورة، رحيلاً محفوفاً بصبره الكبير الذي تحلَّى به - رحمه الله - بعد أن أصابة المرض، وبإيمانه المطلق بقضاءِ الله وقدره، وتسليمه الكامل لله ربّ العالمين.
رحل عبدالقادر الذي يعني لنا الإعلاميّ الناجحَ المدرك لأبعاد اللعبة الإعلامية المعاصرة، إدراكاً جعله موضوعياً في طرحه، واقعياً في تعامله مع القضايا والمشكلات المعاصرة، ويعني لنا المفكّر الواعي الذي يعرف معنى (الحضارة)، ويدرك الفرق الدقيق بين معناها ومعنى المدنية الغربية المعاصرة التي نلامس قضاياها في هذا العصر ، ويعرف المشكلة الحقيقية التي يعاني منها المسلمون في هذا الزمن؛ مشكلة البعد عن التطبيق الصحيح لمنهج الله عز وجل الذي جعل الأمة المسلمة تعيش تحت وطأة مشكلات متراكمة تحتاج إلى مصابرة ومرابطة وإخلاص، وجهد جهيد للخروج منها، كما يعني لنا عبدالقادر الكاتب المبدع المترسِّل في نثره، المتقن في كتابته، المدرك لمواطن الجمال في لغة القرآن الكريم، ويعني لنا - إضافةً إلى ذلك - الصوت الإعلامي الذي يحسن التحدُّث بلغةٍ سليمة رزينة، وأداءٍ إعلامي جميل، وطريقةٍ في الحوار يحسن من خلالها طرح القضية واستخراج أفضل الآراء فيها ممن يحاورهم في برامجه المختلفة.
رحل عبدالقادر الصديق العزيز الذي لا يقصّر مع أصدقائه، ولا ينساهم، ولا ينكر فضل أحدٍ منهم أبداً، ولا يخرج عن دائرة المحبة والمودة في نقاشه معهم، والاختلاف في الرأي بينه وبينهم.
(حسن الخلق) صفةُ ملازمة لأبي عادل، لا يختلف عليها اثنان ممن عرفوه وتعاملوا معه، و(الكلمة الطيبة) رفيقته التي لا تفارقه، تجري على لسانه دون تكلُّف أو تصنُّع، وتلقاك دائماً كلَّما جرى بينك وبينه حديث مباشر أو غير مباشر.
طرح ذات مرَّةٍ رأياً له في الموسيقى في إجابةٍ عن سؤالٍ وجّه إليه عندما كان مديراً لقناة اقرأ - وهو مؤسسها وواضع الهياكل لأهم برامجها - حيث قال في رأيه: إنَّ العمل الإعلامي عمل شائك في هذا العصر، لأنه خوض في محيطات عميقة ذات أمواج وأثباج، والموسيقى من المسائل المختلف فيها، وهو بهذا القول يسوّغ ما يظهر من الموسيقى في قناة اقرأ، ويصرف النظر إلى القضايا التي كانت تشغل باله حينما كان مديراً للقناة، تلك القضايا المتمثلة في المادة الإعلامية والإنتاج الإعلامي الإسلامي الذي يشكّل العمود الفقري للعملية الإعلامية كلها.
وكثر الضغط على أبي عادل من بعض المتحمسين الذين كانوا يتصلون به، مستخدمين معه بعض العبارات القاسية، وهاتفته في ذلك الوقت وجرى بيني وبينه حوار، لم أسمع فيه منه كلمةً نابية أبداً تجاه أحدٍ ممن قسا عليه، بل كان يقول: أنا سعيدٌ بالمناقشة والمناصحة، وإنْ كان يؤذيني سوء الظنّ، والحكم على النيات من بعض المتحمّسين - سامحهم الله - ما أصعب الفراق أيها الراحل الحبيب، ولكننا نرضى بقضاء الله وقدره.
ونقول: غفر الله لك, ورحمك، وجمعنا بك في جنات النعيم وأحسن عزاء أهلك، وعزاءنا جميعاً فيك.
إشارة
أعبدالقادر اضطربت حروفي
وسمَّرَ عينَ قافيتي الذهولُ |
|