Tuesday 6th April,200411513العددالثلاثاء 16 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
هل تكون مؤسسات المجتمع .. مصدراً للمشكل؟
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

عندما يحدث مشكل ما في مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فإن أنظار المجتمع بكل كياناته تتجه نحو محاولة فهم ذلك المشكل من جانب، ومن جانب آخر محاولة تحديد مصادره ووسائل التغلب عليها. وفي غمرة البحث عن هذا الفهم للشيء ولمصدره، تبرز قضايا مجتمعية مهمة جداً، في مقدمتها (ثقافة المجتمع نفسه) من حيث قدرته على تفهم الأمور وأسلوبه الخاص في دراسة المشكلات وفحصها وتجرده خلال عملية البحث تلك، عما يشوبها من تداخل مذموم بين الفكر العاطفي والعمل العقلي المنطقي.
وإذا كان فكر المجتمع وسلوكه ليس- في معظم الأحيان- إلا نتاجا طبيعيا لما يتعلمه الناس في مؤسسات المجتمع المختلفة، فقد يصح أنه في حين تعرض المجتمع لمشكل ما، فإن أول ما يجب فحصه ودراسته هو واقع تلك المؤسسات من حيث دورها في تشكيل ذلك المشكل من ناحية، ثم قدرتها على التصدي له ومعالجته من ناحية ثانية. غير أن مجتمعاتنا النامية قد غمرتها العاطفة بالقدر الذي يدفع بأبنائها إلى محاولة التصدي لكل فكرة تلوح بإمكانية اختراق المجتمع من داخله عبر عدد من مؤسساته المختلفة. وغالبا ما تكون تلك العاطفة ناتجة من الكيانات المجتمعية المنتمية للمؤسسة التي تدور حولها مجموعة من الشكوك.
وفي حين كان المجتمع متدينا، كما هي الحال في مجتمعنا، فإن المؤسسات الدينية، وغيرها من المؤسسات الأخرى، ستجد من يدافع عنها لمجرد الدفاع، للدرجة التي تصل معها عاطفة الدفاع إلى الربط بين المؤسسة المجتمعية والأصل العقدي والديني الذي يدين به المجتمع، بحيث يصبح المساس بتلك المؤسسة مساسا خطيرا بأصول العقيدة المجتمعية ومنطلقات الديانة.
المسجد.. والمدرسة.. والجامعة.. والبيت.. وغيرها من مؤسسات المجتمع، لا يصح أن تعدو أن تكون من بين مؤسسات المجتمع الإنساني التي يمكن أن يتم استخدامها للصالح العام، كما يمكن أن تستخدم لغير ذلك، عندما تسيطر عليها أو على شيء منها كيانات بشرية محدودة الرؤية، أو أنها واضحة الرؤية جداً، ولكن وفق منظومة فكرية وسلوكية غير سوية.
وبذلك يمكن التأكيد على أنه من اللازم - من أجل الصالح العام- للمجتمع، أن تسعى كل كياناته الى إشاعة (ثقافة المعرفة والفهم) لحقيقة مفادها أن جميع مؤسسات المجتمع (ودون استثناء) يجب أن تخضع للمراجعة والتقويم المستمر. وأن فكر (المؤسسيين) وسلوكهم يجب أن يكونا -أيضا- موضوعاً متاحاً للتقويم المستمر.
إن رحلة مجتمعنا المعاصر نحو التطور والتمدن، قد تكون فرضت عليه - دون وعي كامل بخطورة المشكل - أن يبقى عدد من كياناته المؤسسية في معزل عن المراجعة والتقويم لمدة من الزمن. ومع مرور هذا الزمن قد تكون ترسخت قناعات بأنه من غير اللائق إخضاع مؤسسة معينة للتقويم والنقد. وقد يصبح الأمر غير محتمل، عندما يتم - عاطفيا - اتهام أي محاولة للتقويم والتطوير والتغيير برغبة (خبيثة) للمساس بأصول المجتمع الدينية. إن هذا الشعور الموغل في العاطفة، البعيد عن معظم مرتكزات المجتمع الحديث، كفيل بأن يزيد من بؤرة المشكل الذي يوجهه المجتمع، وحقيق بأن يصبح معول هدم بدل أن يكون عامل إصلاح. ربما أتينا من أن من بيننا من لا يزال يصر على عدم نقد مؤسسات المجتمع، وبخاصة تلك التي لها مكانة في عاطفته مع أنه قد يكون من اللازم تعديل وتصحيح مسار المؤسسة المجتمعية أيا كان نشاطها ومجالها، لتكون ميداناً رحباً لاستقامة الناس، عوضا عن أن تسعى لنشر الفاسد من القول والفعل.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved