بيد أن من يشع الايمان في صدورهم وتملؤ قلوبهم الثقة بالله، ويبحر الصبر في نفوسهم، حتى لايجد اليأس لديهم أي مرفأ، هم الأقدر بفضل الوهاب، على مواجهة الابتلاء، بنفس رضية، وثبات قوي، يحار الأديب الحاذق عن وصفه..
وهكذا ترجل فارس الكلمة الهادفة والاعلامي الكبير الدكتور عبدالقادر طاش بعد ان قدم لأمته وبذل لرفعة دين الله الكثير.. ربما كان يتعذر على المرء ان يعبر في هذه اللحظات عما يجيش بصدره إزاء شخصية كانت تاريخا حافلا بالعطاء المثمر والمفيد.
كان وهو يمر بألم المرض أنموذجا فريدا برغم شدة حالة مرضه المؤلم، فالمرض عندما يشتد بالانسان لا يستطيع مقاومته حتى الصرعة.. بيد أني أحسبه من الذين كان يشع الايمان في صدورهم وتملؤ قلوبهم الثقة بالله، ويبحر الصبر في نفوسهم، حتى لايجد اليأس لديهم أي مرفأ، كان قادراً بفضل الوهاب، على مواجهة الابتلاء، بنفس رضية، وثبات قوي، يحار الأديب الحاذق عن وصفه.. أبو عادل أو الدكتور عبدالقادر طاش رحمه الله. أحسب أنه كان من هؤلاء - وقليل ما هم- ذلك ما لمسته من بعض أبنائه والقريبين منه.. وذلك ما رأيته مطولة في بيته..
ها أنذا اليوم أتذكره وقد دمعت العين حزنا على فراقه، حين لم يفتأ منذ عاد بعد دراسته وتسنم زمام قسم الاعلام في كلية اللغة العربية آنذاك حتى بدا شعلة تضيء في مواقع كثيرة رسمية وشعبية.. فنما القسم وكبر، حتى غدا يبرز كثيرا من نظرائه في العالم العربي.
تلاميذه -وأشرّف أن أكون أحدهم- يقرون ببصماته العلمية والمنهجية الذين زاملوه -وقد أدركت بعض ذلك- يكنون له احتراما عجيبا إذ كان يمتلك قدرة في احتلال القلوب.. فهو أبعد ما يكون عن الشللية أو الانتصار للذات أو التهرب من مسؤوليته.. والانكفاء للاشباعات الذاتية.
لم أره يوما غاضبا.. ولم أره بذيئا.. ولم أره متأففا ولم أره.. ولم أره.. وفي مرضه لم أره إلا راضيا محتسبا متفائلا مبتسما.. شاكرا ووفيا.
هذه كلمات اكتبها بعد ان افتقدناه وهو أحوج ما يكون لدعاء صادق من قلوب مؤمنة تحبه.
وحين أكتب ذلك لست أدري هل تراني وفيته بعض حقه عليّ وعلى كثيرين ممن يكنون له مودة لاحدود لها وحبا لاينتهي أم ان عقلي وهو يهذي بذلك يغوص في شموخ أصالة تاريخ مشرق فينسج له ما يختلج في النفس طربا وحبا لمن عرفته فاعترفت بجمائله، وازددت تطلعا لأن يفاد من تراثه وتجاربه، في كل ميدان غرس فيه نبتا فيمتد فجره وعطاؤه ويتواصل.. لأنه من العلم الذي ينتفع به ويطيب بذلك عبقه وشذاه.
لقد اغرورقت عيناي بدموع صادقة، وأجهشت بالبكاء بعد ان سمعت نبأ وفاة تلك النفس الزكية والمدرسة المميزة في الصبر والاحتساب، ليس فقط لأني أحبه كثيرا وإنما لأن اعلامنا اليوم يفتقد جبلا من جباله الراسيات.. رحمك الله رحمة واسعة وعوض الأمة والبلاد خيرا.. وجبر مصاب زوجته وأولاده وبناته وكل من افتقده اللهم آمين، وللجميع تحياتي.
|