*د. عاطف معتمد عبد الرحيم - (قسم الجغرافيا-كلية التربية-جازان):
السياحة الجبلية
تقع منطقة جبال فيفا شرقي منطقة جازان على الحدود اليمنية، وتبعد عن خط الساحل بنحو 75 كم في مواجهة رأس الطرفة (خريطة رقم 3). وهي كتلة جبلية تمتد بمحور شمالي شرقي جنوبي غربي بطول 30 كم وبمتوسط عرض 9 كيلومترات. وجيولوجياً تنتمي صخور المنطقة إلى ثلاث وحدات صخرية هي: الصخور المتحولة (رسوبية وبركانية) وخاصة في القطاع الشرقي على الحدود اليمنية؛ الصخور الجوفية (متوسطة إلى قاعدية) وخاصة في المنطقة التي تتركز فيها الحلات السكنية الرئيسية مثل: الدائر وفيفا وعيدابي؛ والصخور الجرانيتية والمنتشرة على طول قطاع الدائر-هروب.
وتتراوح مناسيب منطقة جبل فيفا بين 500 إلى 2200 م وتمثل واحدة من أعلى قمم منطقة جازان. وتتقطع جبال فيفا بشبكة من الأودية أهمها روافد وادي ضمد، كما يقطعها وادي دفا الرافد الجنوبي لوادي بيش. وكل من الواديين (ضمد وبيش) ينبعان من خارج الأراضي السعودية. ويعد تجاور السحب مع الغابات والمنازل اكثر المناظر السياحية إثارة للزائرين خاصة مع تناوب القمم الجبلية بشكل بانورامي تتخلله الوديان العميقة، وبصفة خاصة وادي جور ووادي ضمد والتي تقطع روافدهما الكتل الجبلية إضافة إلى طبيعة الصخور النارية وبصفة خاصة الجرانيتية منها ذات الألوان المتباينة التي تجذب الانتباه، ويحتل الجرانيت في هذا الصدد المرتبة الأولى، وبصفة أساسية يأتي التفاعل الكيميائي مع مواد الصخر وعمليات الأكسدة وظهور المحاليل الحمراء والسوداء على جوانب الصخر في المرتبة الأولى لجذب هذا الانتباه.
وتعتبر عمليتا التجوية والتعرية مسؤولة عن تشكيل كثير من الصخور بأشكال متنوعة تمثل جذباً سياحياً بالمنطقة. وتتمثل أبرز عمليات التجوية والتعرية المائية في المنطقة في: التفكك الغطائي Sheet structure والذي يؤدي إلى التفكك الطبقي للصخر في صورة درجات سلمية قليلة السمك، إضافة إلى عمليات التقشر والتجوية الكروية Spheroidal weathering.
التفكك الكتلي Block disintegration خاصة على المكاشف الصخرية في الروافد العليا لوادي جور.
الصخور المقاومة للتجوية والتي تبقي على السطح بارزة كأعمدة صخرية أو ما يعرف باسم أقماع السكر Sugar loaves كما هو الحال في صخرة الشميلة قرب محلة فيفا.
وتشكل بعض الكهوف الصغيرة الناتجة عن عمليات الإذابة المائية، فضلاً عن مساهمة التجوية البيولوجية في عمليات التجوية الميكانيكية المتمثلة في اختراق جذور الأشجار للصخور وتوسيع ما بها من شقوق وفواصل. نشاط التعرية المائية التي تمثلت نواتجها في حفر بطون الأودية وانتشار البلايا المختزنة للمياه في بطون الأودية، وهو ما يمثل تنوعاً مورفولوجيا مهماً بالمنطقة.
وجنباً إلى جنب مع عوامل الجذب الجيمورفولوجية بالمنطقة يعد الاختلاف الحراري بين منطقة جبال فيفا ومنطقة السهل الساحلي أكثر عوامل جذب السكان الهاربين من قيظ سهل تهامة الساحلي. ولا يزيد معدل الحرارة السنوي في فيفا شتاء عن 28 درجة مئوية وصيفاً عن 35 درجة مئوية. ورغم ارتفاع قيم الرطوبة إلا أنها اقل بنحو 3 -10 % عن نظيرتها على الساحل بحكم البعد بنحو 40 كم عن البحر.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه درجة الحرارة صيفاً في صبيا على السهل الساحلي 34 درجة لا تزيد في فيفا عن 28 درجة، كما يبلغ المتوسط في صبيا شتاءً 25 درجة ولا يزيد عن 18 درجة في فيفا وإذا كان المدى الحراري اليومي في المنطقة الساحلية 8 درجات فانه يزيد على 11 درجة في المنطقة الجبلية. كما يمثل الاختلاف في كمية الأمطار بين المنطقتين الساحلية والجبلية عاملاً من عوامل الجذب السياحي بما توفره أمطار الجبال (500- 600ملم )من غطاء شجري ووفرة نباتية تعد من اكثر عوامل الجذب السياحي في المنطقة.
العمران السياحي
لعل أهم سمات العمران بالمنطقة هي التبعثر والانتشار، وعلى خلاف ما قد يعتقد من الملاحظة الأولية فإن الحالة البدائية أو (البكر) التي تبدو عليها الخطة العمرانية لكثير من الحلات السكنية بالمنطقة تعد أهم عوامل الجذب السياحي، بل إن المدرجات نفسها صممت بتنسيق شديد لدرجة لا تبدو معها وكأنها عمل بشري نظرا لضيق اتساع كل مصطبة بما لا تؤثر على الانحدار العام. ويمكن أن نميز نمطين من المباني في الحلات السكنية بالمنطقة: الأول مبان قديمة ذات شكل أسطواني ترتفع لنحو دورين إلى ثلاثة أدوار وذات سقف نصف مفتوح يجعلها أشبه بواجهة برج المراقبة على المنحدرات الجبلية وتقوم في كثير من الأحيان على غرفة واحدة في كل دور. وتتسم هذه المباني ببنائها من الجرانيت والصخور المتجرنتة وهو ما يعطيها نفس ألوان الطبيعة السائدة، بل إن البدائية التي تتخذها هذه المباني تعد من أهم المظاهر الحضارية القديمة المتناثرة على منحدرات الجبال جذبا للرؤية. أما المنازل الحديثة التي شيدت في الفترة الأخيرة في المنطقة فليست مصدراً للجذب بقدر ما يعطي تجاورها مع المنازل القديمة للسائح إحساساً بالتجاور الزمني لنمط استقرار الإنسان على منحدرات وقمم جبال فيفا. وقد شيدت بعض من هذه المباني كفنادق فوق أعلى القمم الجبلية، وحسب الخصائص الجيمورفولوجية تنقسم الزراعة على المدرجات إلى ثلاثة أنواع : زراعة على جوانب الأودية valley sides، زراعة على المنحدرات الحرة free slope، زراعة على مدرجات بطون الأودية valley beds. والسمة الرئيسة في هذه المدرجات هي ضيق الاتساع البالغ والذي يأتي تكيفا مع شدة الانحدار، وعلى الرغم من أن السائح يرى نسقاً متتابعاً من المدرجات من قمة المنحدر الجبلي إلى حضيضه، إلا أنها تنقسم - حسب الملكية الفردية للسكان - إلى مزارع تتفاوت في عدد المدرجات التابعة لكل مزرعة، وتتفاوت مساحة هذه المزارع بين 35 و500 متر مربع تحوي مدرجات تتفاوت عدداً بين 3 إلى 15 مدرجاً، ومتوسط مساحة كل مدرج 10 أمتار ( مجدي عبد الحميد السرسي 1996 ص 13)، أما عن الاتساع فتتفاوت بين المترين والسبعة أمتار، ويتوقف الاتساع على عدة عوامل يأتي في مقدمتها الانحدار ومدى انتشار عروق صخرية وسط القطاع المجوي من تربة المنحدر.
ويتم تحويل المدرجات الصخرية شديدة الصلابة إلى مناطق زراعية تقدم إنتاجا زراعيا وفيرا يقيم حياة سكانية لعشرات الآلاف من السكان عبر مراحل متتابعة لتأثير عمليات التجوية العميقة التي عملت على مستويات مختلفة من المنحدرات الجبلية. فالمدرجات الزراعية تقوم في الأساس على جوانب الأودية Valley-side التي تعرضت لتاريخ طويل من سقوط المطر فتمت تجويتها على مستويات عميقة Deep weathered.
ولعل سمك القطاع المجوي (3- 6 م) على طول منحدرات جبال فيفا يؤكد النشاط الفاعل للتجوية العميقة التي امتدت على مرحلتين Tow-stage theory تكون فيها القطاع المجوي عبر تخلل عميق لمياه الأمطار على طول المفاصل والشقوق استتبعه تجوية لأجزاء الصخر المجاورة للفواصل ومنها امتد تأثير رطوبة الخطوط الفاصلة إلى قلب الصخر ولا يبقى في النهاية غير النويات الصخرية المتخلفة عن عمليات التجوية والمعروفة باسم الجروس grus وهي التي يجدها فلاحو منطقة فيفا أثناء إعدادهم للمدرجات فيستخدمونها في بناء دعامات المدرج حتى لا تجرفه مياه الأمطار، كما تستخدم الجروس كبيرة الحجم والمعروفة باسم صخور القلب Corestones في بناء المنازل القلاعية سابقة الذكر. (لتفصيل نظرية المرحلتين في التجوية العميقة انظر دراستي Oberlander 1972 وTwidal 1984).
وحسبما أفادت الدراسة الميدانية مع بعض سكان منطقة فيفا (مارس 2002) تعاني كثير من مدرجات جوانب الأودية من مشكلات انجراف التربة، بل وانزلاقها في عديد من المواضع نتيجة شدة الانحدار من ناحية (30-50 درجة) وفجائية المطر وشدته من ناحية ثانية وبدائية دعامات المدرجات من ناحية ثالثة حيث لا تستخدم فيها أية مواد لاحمة ويكتفي المزارعون بمزج الرواسب المجواة بالماء بدلا من إضافة مواد إسمنتية تقوي الدعامات. أما المدرجات الزراعية في بطون الأودية فأقل تعرضا لخطر الزحف والانزلاق بسبب لطف الانحدار (اقل من 15 درجة) وتوزيع المطر على القنوات المضفرة Braided.
وتعد عشوائية توزيع العروق الصخرية البركانية وسط القطاع المجوي اكثر المظاهر التي تخل بتناسق شكل المدرجات الزراعية في المنطقة. وان كان الإنسان قد استغلها أفضل استغلال، فبنى عليها مساكنه أو اتخذها مصدرا للحصول على مواد للبناء في أحيان أخرى أو وضع عليها خزانات المياه التي تأتي إليه من خارج المنطقة في حالات كثيرة.
مورفولوجية الظهير الساحلي لجبال فيفا ودوره السياحي
يتسم الظهير الساحلي (شكل 6) بوجود ثلاث وحدات مورفولوجية تمثل منافذ للتفريغ السياحي من والى فيفا:
سهل البيدمنت والذي يمتد على مسافة تتراوح بين 15-20 كم من أقدام جبال فيفا وترتكز عليه بعض الحلات السكنية على رأسها مدينة العيدابي والتي تمثل محطة رئيسية مهمة على طريق تنمية السياحة في المنطقة ويمكن أن تمثل مركز انطلاق يومي للسائحين بما لديها من إمكانات مستقبلية إذا ما طُورت بنيتها الأساسية وبصفة خاصة تدعيم إمكاناتها التسويقية والخدمية.
* المجاري الدنيا لأودية ضمد ورافده: وادي جور، ووادي صبيا ورافده وادي قصي، وأبرز صور الاستغلال البشري لهذا الوحدة المورفولوجية هو النشاط الزراعي والذي يجعل المرور عبر هذه القطاعات من الأودية - خاصة وقت غزارة الأمطار صيفا- نزهة في حد ذاتها. ومن المشاهد الجذابة كذلك اختراق الطريق لمدرجات نهرية في هذه القطاعات من الأودية تنكشف فيها رسوبيات قيعان الأودية التي تلفت الانتباه وتقطع رتابة الطريق على السائحين.
وهناك بعض بقع محدودة تشهد نشاطا للرعي، وان كانت حركة الإبل على الطريق تمثل على الجانب الآخر مصدر تهديد للسفر.
وفي هذا القطاع تبرز حرتان هما جبل عكوة اليماني وجبل عكوة الشامي ومنسوبهما حول 800 م ويخترقهما وادي نخلان. وتعتبر قطاعات المجاري الدنيا لأودية منطقة فيفا بيئة مثلى لرحلات السيارات الخلوية Safaris وسط أشجار الطلح المتناثرة.
ولا يستثنى من ذلك سوى مقدمات جبل عكوة اليماني بتلالها البركانية شديدة الصلابة والتي لا يمكن عبورها بالسيارات أو على الأقدام. وتحتاج هذه الرحلات الخلوية إلى إعداد استراحات متناثرة تشجع على إتمام حركة التنزه على جانبي الطريق.
ومن اكثر مفردات البنية السياحية الأساسية الجاهزة في هذه المنطقة هي طريق صبيا - العيدابي والبالغ طوله نحو 50 كم وباتساعه البالغ 12 متراً والذي يتمتع بإرشادات مضيئة على طول الطريق.
المنطقة الساحلية وتشمل مناطق الخبت ( أراضي ما بين مصبات الأودية) والسبخات والكثبان الساحلية والشواطئ وخط الساحل بما يتسم به من ظاهرات جيمورفولوجية فريدة على رأسها اللسان الرملي الخطافي المعروف باسم رأس الطرفة. ويمكن للسائحين الاستفادة من هذه المنطقة الساحلية على اكثر من مستوى؛ فيمكنهم إقامة رحلات يومية من مناطق إقامتهم في جبال فيفا إلى بلدة القوز الواقعة خلف البحيرة اللاجونية لرأس الطرفة الشهيرة بسوقها السمكي. وكذلك تغيير نمط الاستجمام بالذهاب إلى منتزه بيش الساحلي والذي لا يبعد عن فيفا سوى ساعة واحدة والواقع على لسان رملي على خط الساحل. والظاهرات الجيمورفولوجية في هذه المنطقة الساحلية جديرة بأن تشكل سياحة تكاملية مع ما تقدمه منطقة فيفا. ولقد أفادت الدراسة الميدانية لمنتجع بيش الساحلي اعتماده على مقومات جيمورفولوجية متعددة على رأسها:
-الشواطئ المتسعة والتي تزيد عمقاً عن 20 متراً برمالها الناعمة، ونمو ظاهرات شاطئية ناضجة كالحافات الرملية Berms، وبعض الضروس الشاطئية Cusps. هذا بالإضافة إلى وجود ظهير متسع من الشواطئ الخلفية تصل إلى خط الساحل المتمثل في الواجهة الأمامية للكثبان الرملية.
-امتداد مجموعة من الكثبان الساحلية ذات الرمال الناعمة والارتفاعات البالغة نحو 15 مترا والتي تمثل مقصدا سياحيا مهماً للسائحين سواء للتجول أو التزلج.
ومن مميزات هذه الكثبان تشبع بعض قطاعاتها بقدر كبير من المياه -وصلت عبر الأمطار أو مياه الندى - مما حولها إلى كثبان متماسكة Cemented dunes وهو ما يظهر جلياً في الواجهات البحرية لهذه الكثبان التي استطاعت أمواج العواصف أن تصل إليها، بينما تبدو جوانب منصرف الرياح حرة سائبة تهدد الطرق والمنشآت.
ورغم ما لهذه المنطقة من إمكانات طبيعية يمكن أن تجعلها ذات أهمية بالغة للسياحة في المنطقة إلا أن هناك بعض المشكلات التي تعطل من جاذبية المنطقة :
* ما زال طريق المواصلات الرئيسي بين مدينة بيش ومنطقة الشاطئ (نحو 25 كم) قيد الإنشاء ويعوزه التدعيم خاصة في الكيلومترات العشر الأولى (يمضي العمل على قدم وساق لتحقيق ذلك).
* لا توجد أية إشارات أو لوحات مرورية على الطرق توجه نحو منطقة الشاطئ أو تدل على الطريق الصحيح إليها، إضافة إلى ضعف الخدمات وخاصة تموين الوقود.
هذا على الرغم من ان منطقة بيش تعتبر حلقة وصل على مفارق الطرق المؤدية إلى صبيا وجازان في الجنوب والدرب - أبها في الشمال، وفيفا-الريث-الحقو-الحشر في الشرق.
* ما زالت إمكانات الخدمات الفندقية تحت الإنشاء وأمامها عدة سنوات لتبلغ المستوى المناسب لاستقبال سياحة متدفقة، بالإضافة إلى قلة المساحات الخضراء وضعف الاهتمام بها، وانتشار المخلفات البحرية أمام شواطئ المنطقة وهو ما يتطلب صيانة دورية لها.
* تدني مستوى اللاندسكيب الحضاري على المنطقة الشاطئية ووقوع كثير من المنشآت تحت طائلة التجوية الملحية Salt weathering، وتعرض منطقة الشاطئ والطرق المؤدية إليها إلى سفي الرمال Sand drifting وهو ما يتطلب متابعة لحماية الطرق والمنشآت الشاطئية المزمع إنشاؤها.
* غياب الدعاية للمنطقة فليس هناك مصور مطبوع عن المنطقة أو ذكر لها في وسائل الإعلام على مستوى المملكة أو على المستوى الداخلي، هذا في الوقت الذي نجد فيه لجبال فيفا اكثر من موقع على الإنترنت يعرض لمغرياتها الطبيعية.
وسنقدم في الحلقة التالية عرضاً مفصلاً للمنطقتين بإذن الله.
|