هيأ الله عزَّ وجلَّ للأمة الإسلامية في هذا الزمان قائداً وموجهاً وزعيماً، اتسم برجاحة العقل وسعة الأفق وقوة الإرادة، ففي الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية الآن، وفي موجة التحديات والتغيرات الدولية التي تحاول أن تنال من الإسلام وتلصق به التهم والأقاويل، نجد ان الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - بسياسته الحكيمة، ونظرته الثاقبة، وخبرته الواسعة قد وضع الأمور في نصابها الصحيح ودافع عن هذه الشريعة السماوية بكل قوة وعزيمة.
ولقد برز دور خادم الحرمين الشريفين على النطاق الدولي من خلال محاور متعددة ومتنوعة، لعل أهمها رؤيته الخاصة والمتميزة لحقوق الإنسان، وسياسته الداعمة للتضامن الدولي الإنساني من خلال دعم المؤسسات الخيرية، وكذلك جهوده الكبيرة في مجال التسوية السلمية للمنازعات الدولية، وغير ذلك كثير.
وبالنظر إلى أهمية هذه المحاور الثلاثة فإننا سنقتصر عليها مع ما لغيرها من أهمية لا تخفى.
انطلقت سياسة خادم الحرمين الشريفين في هذه الأطر من مبادئ ثابتة ومستقرة وعبّر عنها في كلمته عند مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية عام 1402هـ بقوله: (المملكة العربية السعودية هي واحدة من دول أمة الإسلام، وهي منهم ولهم، نشأت أساساً لحمل لواء الدعوة إلى الله، ثم شرفها الله بخدمة بيته فزاد بذلك حجم مسؤوليتها، وتميزت سياستها وتزايدت واجباتها، وهي إذ تنفذ تلك الواجبات على الصعيد الدولي تتمثل فيما أمر الله به من الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة).
أولاً: فيما يتعلق بحقوق الإنسان:
لقد أصبح احترام حقوق الإنسان اليوم واجباً دولياً تفرضه قواعد القانون الدولي ويحتل هذا الواجب مكانة كبيرة ومهمة في فكر خادم الحرمين الشريفين وهو ما يعتبر نتيجة طبيعية وامتداداً منطقياً للمثل والقيم والفضائل التي يتحلى بها جلالته. فلقد أعطى خادم الحرمين الشريفين مفهوماً متميزاً للفكر القانوني الناظم لقضية حقوق الإنسان، يختلف عما هو سائد في التنظيم القانوني الدولي الوضعي، فهو ينطلق أساساً من الخصوصية الدينية والحضارية التي تمتاز بها المملكة العربية السعودية، فخادم الحرمين الشريفين يؤكد أن القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي (كحق تقرير المصير) ليست مجرد قواعد أخلاقية أو توصيات أدبية، بل هي أوامر إلهية تتمتع بكل مؤيدات الجبر والإلزام، وبذلك أصبحت حقوق الإنسان ومساعدة الشعوب للوصول إلى حق تقرير المصير ليست مجرد التزام قانوني وإنما هي دين يتعبد الله تعالى به مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ} (النساء 75). وقد لقيت هذه السياسة كل الاحترام والتقدير على الصعيد الدولي الذي تجلى في مناسبات كثيرة كان أقربها وليس آخرها انتخاب المملكة عضواً في لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عام 2001م.
ثانياً: فيما يتعلق في التضامن الدولي الإنساني:
أما سياسة خادم الحرمين الشريفين في مجال التضامن الدولي الإنساني ودعم المؤسسات الخيرية، فتنطلق من إيمانه العميق بأن هذه هي تعاليم الإسلام العظيمة التي تدعو إلى التكاتف والتلاحم بين بني البشر. ولقد ربط خادم الحرمين الشريفين بين تحقيق الأمن والاستقرار في ميدان العلاقات الدولية، وبين قضية العدالة الاقتصادية، مؤكداً على ضرورة الاهتمام بتحسين أوضاع الدول الفقيرة ودعمها لتحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة لمواطنيها، وزيادة فرص تمتعهم بحقوقهم الإنسانية التي كفلها الله تعالى لهم وأكرمهم بها. ومن خلال مساعداته الإنسانية التي وصلت إلى أقصى بقاع الأرض ودعمه للمؤسسات الخيرية، أضحى خادم الحرمين الشريفين خير داعية للإسلام في كل مكان، بفضل تمسكه بالعقيدة الصحيحة والتزامه بمبادئ الشريعة، وأداء حقوق البشر وفق ما أمر به الله تعالى.
فمساعدات خادم الحرمين الشريفين لا علاقة لها بمصالح الدنيا وتدخلات السياسة ومتغيراتها، بل لا علاقة لها بالانتماء الديني أو العرقي، فيده الكريمة تمتد للمسلمين وغير المسلمين على السواء تحقيقاً لقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وهذه قيم وأخلاق تستمد أصولها من مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف وفضائل العروبة، وتراث المملكة الحضاري، ولقد تجسدت سياسة خادم الحرمين الشريفين في مجال المساعدات الإنسانية ودعم المؤسسات الخيرية على أرض الواقع من خلال المبالغ والأرقام الموضحة في معظم الكتب والدوريات المختصة في هذا المجال (ككتاب الرعاية السعودية المتميزة للإنسان، ليوسف صالح على سبيل المثال).
ومن خلال هذه المواقف المشرقة والرؤية الثاقبة يتجلى البعد الدولي في سياسة خادم الحرمين الشريفين الذي سطر بسياسته نموذجاً رائعاً للتضامن الدولي الإنساني، لو أحسن اتباعه والاقتداء بنهجه لجنّب الإنسانية الكثير من الكوارث والويلات ومكّنها من العيش بسلام وأمان.
ثالثاً: فيما يتعلق بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية:
أما جهود خادم الحرمين الشريفين في مجال التسوية السلمية للمنازعات الدولية فقد انطلقت من نظرته الشمولية لإقامة علاقات قوية ومتكافئة مع جميع دول العالم، فقد حث خادم الحرمين الشريفين على نبذ استخدام القوة في العلاقات الدولية وسعى بشكل مميز إلى تقديم الوساطات والمساعي الحميدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة إيماناً منه بضرورة تحقيق السلم والأمن الدوليين على أسس عادلة.
ومن أبرز الشواهد المعاصرة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين في هذا الإطار هي: مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط، وجهوده في المصالحة المغربية الجزائرية، والمصالحة اللبنانية من خلال اتفاق الطائف، فضلاً عن قضية لوكربي والكثير من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها.
وهكذا نرى من خلال مواقف خادم الحرمين الشريفين وسياسته على النطاق الدولي انه استطاع بوافر حكمته وحسن تصرفه واحترامه للقانون الدولي والمواثيق الدولية ان يطور قواعد القانون الدولي وان يكون خير قائد يتابع حمل الرسالة الإسلامية ويحافظ عليها في وجه التحديات ويضعها موضع الاحترام على جميع المستويات العربية والاقليمية والدولية.
(*) أستاذ القانون الدولي العام المساعد في جامعتي دمشق والملك سعود |