كمثل الفراشة لا تبدي إلا جمالاً أخّاذاً في رقة وعذوبة، إن حلقت وان لامست لا تلمس إلا رقة الورد وشذى الرحيق وعطره الفواح الذي يتمازج مع بهاء ألوانها القشيبة فتبدو كحلة احتوت الجمال والعطر والدلال، وان لثمت الرحيق وتذوقته فإنها لا تملأ منه البطون لأنها تؤمن بأن البطنة تذهب الفطنة وهي التي قد وهبت حياتها التي لا تدوم طويلاً لامتاع أعيننا وملء أحاسيسنا بفيض عطائها من الرقة والجمال فهي تؤثر على نفسها فحياتها أقل من ان تبدد في لعق الرحيق من الزهور فقط، فلا تأخذ منها إلا ما يضيف لها جمالاً وحيوية ويساعدها للتنقل والتمايل بيننا ناشرة فواتح الأمل ورموز الحب والتحنان ووميض العشق.
وكمثل الذباب خشن، ان لامسك كريه في دعابته، فج في مشاغبته، لئيم فيما يأخذ ويعطي، لا يحط إلا على مكروه ولا ينقل إلا مثله، مؤذ إن طار وإن وقع ممعن في تكاثره، لا يبيده مبيد ولا سم عتيد، شتان بين وصفين احدهما له والآخر للوديعة الزاهية الفراشة وكلاهما يسميان حشرة.
مثلهما كمثل ابن آدم من البشر، فيهم الأخيار الكرام ممن أنعم الله عليهم بجميل الخصال وحميد الفعال وحسن الصيت وعاطر الذكر ان جاورتهم وان تعاملت معهم او سافرت، وفيهم دون ذلك وفيهم من لا يحمل صفة من تلك الصفات والعياذ بالله، وكلهم يسمون بالإنسان، فسبحان من خلق فأبدع وأعطى ومنع.
|