إنها حلقات مترابطة في سلم الارتقاء الحضاري في النهضة السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية.. ولا يتحقق ارتقاء في ظل البيروقراطية المعطلة والقاتلة.!
إن التغيير في مجال البناء والارتقاء مهم جداً، ومن ركائزه الوحدة الوطنية القوية في الداخل والخارج بجانب العامل السياسي المستقر، وتوطيد العلاقة مع العالم الغربي عبر نظرة حديثة متميزة من أجل المصالح السياسية العالمية، يدعمها الثقافة والاقتصاد القوي والسياسة المتزنة.. إننا ينبغي أن نتعلم ما يرقى بحياتنا ليحترمنا الآخرون، ولا ندعي أننا أحسن الناس في الحياة العامة، ذلك أنه على الأرض القوية يسيطر الإنجاز والعمل، وليس الكلام، ولا يتحقق تغيير إلى الأفضل ولا رقي إلا بالعمل، ونحن محتاجون إلى أن نكون ذوي أعمال لا أناس أقوال. فديننا يحفزنا على العمل في قول الحق: {وَقُلِ اعْمَلُواْ}، ويقول لنا: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
ونحن أمة الشورى، وينبغي أن تتسع دائرة الشورى والحوار الإصلاحي الناجز الواعي، ومحاربة الفساد المستشري بقواعد ثابتة، واحترام الفرد والحقوق في كل الساحات والمجالات، وكذلك الثقة في الأمة من خلال إصلاحات جذرية لتكوين ريادة، ونحن لا نريد ولسنا في حاجة إلى ديموقراطية مستوردة، فديننا يجعل منا أمة رائدة إذا التزمنا بنصوصه، وإن من التخلف أن نكون واقفين نتفرج أو نتراجع إلى الوراء، ولا بد من خطة قوية للنهضة عمادها القوة البشرية في عمل جماعي، وتفعيل حب الوطن والانتماء في نفوس الطلبة والطالبات في جميع مراحل التعليم، لأن ذلك غائب ومفقود اليوم.!
إن ديننا لا يجعل منا أمة تتراجع إلى الوراء والتخلف متاهة في الظلمات، والحياة بين بدء وانتهاء عبر قوة تعلو وتهبط، والأمم هي التي تصنع المستقبل، ليكون مضيئاً أو مظلماً.. والقيادة الحكيمة تملك البصيرة، والإيمان قوة وقدرة نحو البحث عن المعرفة والاختيار..!
نريد أن يكون بناء جامعاتنا الجديدة نحو تطلع إلى القرن الحادي والعشرين، تنهض بالبحث العلمي، والارتقاء في النواحي التعليمية والثقافية.. وسمعنا أن ألمانيا تفتش عن الألمان في أمريكا لتستردهم إليها، ولو بلغ عوض الفرد خمسة ملايين دولار، ليشارك في نهضة وطنه، وعلمتنا الحياة ان الإحباط لا يحقق شيئاً، ولا يقود إلى مستقبل حي، وليس فيه شيء من حلول.
إن التطور العلمي يعطينا علماء ذوي بصيرة، والإنسان الحي لا يعيش بعيداً عن العلم والمعرفة، وأكبر الظن أنني لست في حلم وأنا أطرح هذا التصور والآمال نحو غدنا، من خلال الارتقاء بالتعليم في كل مجالات الحياة المقبلة، لأن ذلك ركيزة حياتنا الدنيوية والأخروية، والأمم تعمل لدنياها كأنها تعيش أبداً، لأنها أمة طامحة وليست خاملة، إنها أمان وآمال، والعمل الجاد المخلص فيه الصادق يوصل بإذن الله إلى حياة الارتقاء، ليكون العلو فيها.
إن الجامعة التي ليس فيها أبحاث، تسمى مدرسة ثانوية.. وأذكر أنني تحدثت أمام أحد أعضاء هيئة التدريس، بأن الطلبة من الجنسين، الذين لا يكلفون بتقديم أبحاث خلال سني دراستهم، وذلك مقدمة لترسيخ مبدأ البحث في الجامعة، غير أن الأستاذ الدكتور في جامعة الملك عبدالعزيز- وهذا الحديث مر عليه نحو خمسة عشر عاماً- تصدى لي، ليقول إن الطالب حوله شواغل شتى، وذكر منها الفضائيات، فكيف نثقل عليه بتقديم أبحاث؟
واستشهدت بجامعة تونس الأولى في منوبة، وقلت إن الطالب أو الطالبة اللذين لا يقدم أي منهما أبحاثاً موثقة بمراجع، فإن عضو هيئة التدريس الذي يكلف طلبته ببحوث حسب مواصفات البحث ذي القيمة، يرمي في وجهه ما قدم، ليضطر إلى ان يجهد نفسه لكي يبحث ويكتب ما يراد منه، من أجل ان ينجح، لأن النجاح هدف ومطلب، وأستاذ الجامعة يريد أن يتخرج في الجامعة كفاءات هي مكاسب لأي كيان علمي وتعليمي، وإلا فإن التعليم لم يعد ذا قيمة، لا يعبأ به ولا يعول عليه، لذلك فإن التعليم الجاد قيمة وارتقاء في أي أمة ذات شمم، تنشد القوة والتميز.. ونحن أبناء أمة جادة خليقون بأن يكون تعليمنا يوائم طموحاتنا وحياتنا وأهدافنا العليا.!
|