Monday 5th April,200411512العددالأثنين 15 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
فن المعاملة.. هكذا سادوا، وها هم يبيدون.. مثلنا!!
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

لم يكن يشدنا للحضارة الغربية، وللسلوك الاجتماعي الأمريكي- خاصة- أكثر من قدرتهم الفائقة على امتلاك نماذج مثالية في التعامل مع الناس والأشياء. فقد سيطرت على الغرب فكرة مفادها أن (الآخر) على حق حتى يثبت العكس، أو أننا كنا نشعر بذلك عندما كنّا نتعامل عنهم باختلاف مراتبهم في سلم الحضارة الأمريكية، التي كانت تسود العالم كله ببريق لم تحظ به حضارة في التاريخ، اللهم إلا - ربما- الحضارة الإسلامية في العصور المنتهية لازدهار هذه الأمة.
وإذا أمكن اختزال أعظم المفاهيم الدينية في فكر وسلوك المعاملة، أمكن تصور أن السيادة لأمة من الأمم تكمن في مدى قدرتها على أن تجيد فن التعامل مع ما حولها من الناس والأشياء. وبذلك عندما كنّا نجيد فن التعامل ونحسن المعاملة كنّا أسياداً لهذا العالم، وعندما تدنى ذلك عندنا- بأن قدمنا مصالحنا الذاتية على المصالح العامة، وأطماعنا على حقوق الآخرين - تدنت مراتبنا شيئاً فشيئاً حتى أصبحنا كما نرى أنفسنا في مرآة العصر الحاضر، وسبقتنا (أمريكا) وثلة من أمثالها، وسحبت بساط السيادة من تحت أرجلنا، وزركشته بما لم نستطع نحن في زماننا.
وتدور السنون حتى تفيق أمريكا اليوم على واقع لم تعد تحسن فيه فن التعامل مع الآخرين أو هي فقدت قدرتها على حسن المعاملة، فجرت عليها- أو هي تكاد تجري- سنّة الله، أن تبيد أمة لا تجيد تعاملاتها مع الكون والحياة فيه. وهنا يمكن القول: إننا قد (تساوينا) في شموخ السيادة الإنسانية، وها نحن نكاد (نتساوى) في قيعان الإبادة والخضوع للأمر الواقع. وهكذا الدنيا سجال بين الأمم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ولعل من أجمل ما قرأته مؤخراً حول مفهوم المعاملة فكراً وسلوكاً، ما أورده الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان في كتابه المعنون بفقه التعامل مع الناس، حيث يورد المؤلف ما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:( دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: (السام) عليكم، قالت عائشة ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كلّه، فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد قلت، وعليكم) وفي رواية لأحمد فنظر إليّ فقال: مه؟ إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. قالوا قولاً فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيء ولزمهم إلى يوم القيامة. انتهى.
ربما أتينا من أننا نكاد نغفل عن أن ما يحل بنا اليوم، ليس سوى مظاهر من سنن الله في الكون والحياة، وأن أمماً تشاطرنا العيش على هذه الأرض كانت تسود عندما كانت تحسن المعاملة، لكنها اليوم قد تبيد لأنها لم تعد تحسن المعاملة، وحتى تبيد تلك الأمم فعليها أن تبرهن جيداً أنها لم تعد تحسن التعامل مع الآخرين، ولأننا نحن الآخرون في هذا الزمان فعلينا أن نكون طرفاً في رحلة الضياع تلك، التي تجري على حضارات دولية كانت تسود وعليها اليوم أن تبيد.

* عميد كلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved