سألت نفسي غير مرة عن سبب هذا الحزن الذي يعتري الأغنية العربية، وعن هذا السواد الذي يكتنف حنايا ألحاننا، حتى إننا أصبنا في ذلك بما يشبه الإدمان.
فنحن غالباً ما تستهوينا (المواويل) الحزينة فنتمايل (طرباً) وننتشي عند سماعنا لهذه المواويل المدججة بشكاوى الفراق ولوعات الحرمان، والتي تصاحبها في الغالب آلات حزينة كالقانون والناي. وأعترف أنا شخصياً بحبي الشديد للأصوات الحزينة ذات البحة الجريحة الباكية بدءاً من أم كلثوم وانتهاءً بكاظم وخالد عبد الرحمن، فهل إعجابنا بالأغنية الحزينة منبعه هو اعتقادنا الراسخ بأن الانفعالات والتعابير الناتجة عن مشاعر الحزن أصدق وأقوى من تلك التي تنتج عن مشاعر الفرح والسرور؟ أم أنه نتاج طبيعي لحالة الإحباط التي نعيشها والانكسار الذي نعانيه؟
فمن المؤكَّد أن المزاج العام للمجتمع ينعكس على نتاج مبدعينا من الشعراء والملحنين، وعندما أقول مبدعينا أقصد أولئك القلة من المبدعين المهمومين بجودة أعمالهم الفنية، وبعلاقتها بالمتلقي وما ستحدثه فيه من أثر، أما تلك الفئة المحسوبة على الفن ممن لا يعلمون شيئاً عن الإحباط والانكسار اللذين ذكرتهما فإنهم (يتنططون) فوق جراحنا فينكؤونها بالكعوب الطويلة لأحذية راقصاتهم الثقال.
وأنا هنا لا أدعو إلى أن يملأ المغنون والملحنون الفضاء حزناً وعويلاً، بل أدعوهم أن يتغنوا بأحلامنا وآمالنا دون الانشطار عن واقعنا، أدعوهم أن يغنوا لنا لا أن يغنوا علينا.
عمار عز الدين إبراهيم
جريدة الجزيرة
|