في بداية ظهور أمر النبي محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- فإن قبائل عديدة أخذت تتبع أخباره فمنهم من لم يسلموا لأسباب مختلفة، وهؤلاء هم الأغلبية، أما القلة فهم من دخلوا في الإسلام طائعين غير مكرهين عليه، ومن هؤلاء قبيلة عبدالقيس التي دخلت في الإسلام منذ وقت مبكر، ومهدت لدخول أغلب سكان البحرين آنذاك في الإسلام، حتى أصبحت هذه المنطقة هي ثاني منطقة تدخل في الإسلام بعد المدينة المنورة، وقبل فتح مكة، وهم أيضاً من بنوا مسجد جواثا (أ) الذي جاء خبره في كتب الحديث (عن ابي جمرة الضبعي عن ابن عباس أنه قال: إن أول جمعة جُمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في مسجد عبدالقيس بجواثا من البحرين) (1).
وفي قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ذكر بعض المفسرين أن الذين أسلموا طوعاً في السماء هم الملائكة، والذين أسلموا طوعاً في الأرض هم الأنصار وعبدالقيس، والطبري أضاف عليهم بنو سليم (2).
وفي هذا يقول فيهم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- عند وفادتهم الرسمية عليه في المدينة (يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام، أشبه شيء أشعاراً وأبشاراً اسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين) (3).
* وتعود قصة بدء إسلام عبدالقيس وباقي أهالي البحرين الى ما قبل هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- الى المدينة، وقيل أن ذلك كان سنة الهجرة الى المدينة.
وهي أن المنذر بن عائذ بن الحارث العبدي - (الذي لقبه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بالأشج) - كان صديقاً لراهب ينزل بدارين (ج) فكان يلقاه في كل عام فأخبره بأن نبياً يخرج بمكة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وبين كتفيه علامة ويظهر على الأديان، وبعدها مات هذا الراهب.
وعند سماع الأشج بخبر محمد- صلى الله عليه وآله وسلم بعث بابن أخته وزوج ابنته عمرو بن القيس ببعض التمر والملاحف وأرسله إلى مكة للتجارة وأوصاه بالتحقق من أمر النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام. (وهناك عدة روايات تدل على الاتصال بين البحرين والحجاز في الجاهلية خاصة في مجال التجارة) فقدم عمرو مكة وأتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه تمرا وقال هذا صدقة فلم يقبله، فبعث إليه بغيره، وقال هذا هدية فقبله، وتلطف حتى نظر إلى ما بين كتفيه فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإسلام فأسلم وعلمه سورة الفاتحة وسورة العلق، وقال له ادع خالك الى الإسلام.
ثم رحل الى هجر وبحوزته كتاب من الرسول صلى الله عليه وسلم الى جماعة عبدالقيس فلما وصل كتمه أياماً، فاطلعت عليه امرأته وهو يصلي ويقرأ فأنكرت عليه ذلك وذكرته لأبيها فقالت: أنكرت بعلي منذ قدم أنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة فيحني ظهره مرة ويحني جبينه مرة ذلك ديدنه منذ أن قدم. فتلاقيا فتحدثا فوقع الإسلام في قلب الأشج، ثم قام الى قومه من عصر ومحارب (د) بكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم (4).
ثم بعد الفتح وبعد أن راسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الملوك والأمراء في أصقاع الأرض، وبعد انتشار الإسلام. قامت عبدالقيس بوفادتها الرسمية الأولى على الرسول صلى الله عليه وسلم ويرأس الوفد المنذر بن عائذ (الأشج)، وقد اختلف الرواة في عدد الوفد لكن أقلهم هو ما ذكره ابن حجر بأنهم كانوا ثلاثة عشر راكباً.
وقد ذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من طلب من الأشج أن يرسل وفداً من البحرين يأتيه بالمدينة (5)، وكذلك ذكر النويري ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب الى أهل البحرين أن يقدم اليه عشرون رجلاً فقدموا عليه يرأسهم الأشج (6).
* ولهذه الوفادة روايات طويلة وتفاصيل كثيرة، وقد ذكر منها كل من البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه فدونوها برواياتها وطرقها المختلفة، وسنحاول إلقاء الضوء على بعض ما جاء من هذه الروايات.
وفي الرواية ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر الى الأفق صبيحة ليلة قدموا فقال: ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام، وقد انضوا الركاب وأفنوا الزاد بصاحبهم علامة، اللهم اغفر لعبدالقيس أتوني لا يسألوني مالاً، هم خير أهل المشرق (7).
فلما بشر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخروج عبدالقيس، قام عمر وقصد نحوهم فقال من القوم؟ قالوا من عبدالقيس، قال فما أقدمكم هذه البلاد التجارة؟ قالوا لا، قال أما أن رسول الله قد ذكركم آنفاً فقال خيراً، ومشى معهم حتى أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال للقوم هذا صاحبكم الذي تريدون فرموا بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى اليه ومنهم من سعى حتى اتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فابتدروه وأخذوا يده يقبلونها وتخلف الأشج، وجعل رسول الله يسألهم أيكم عبدالله الأشج؟ فيقولون أتاك يا رسول الله وكان قد وضع ثياب سفره وأخرج ثياباً حسنة فلبسها.. الى ان قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فيك خصلتان يحبهما الله تعالى، فقال وما هما؟ قال النبي: الحلم والأناة) (8).
وأنزلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دار رملة بنت الحارث وأقاموا عشرة أيام يسألون النبي فيها عن الفقه والقرآن، وهي فترة طويلة بالنسبة لغيرهم من الوفود.
* وفي رواية، سألهم عن أعز مدن هجر (هـ) فقالوا: المشقّر (و)، قال: فوالله لقد دخلتها وأخذت إقليدها، ووقفت على عين الزارة (ز). ثم قال (اللهم اغفر لعبدالقيس إذ أسلموا طائعين غير كارهين غير خزايا ولا موتورين إذ بعض قومنا لا يسلمون حتى يخزوا ويوتروا)، وابتهل وجهه ثم استقبل القبلة فأخذ يدعو لعبدالقيس ثم قال: (إن خير أهل المشرق عبدالقيس)، ثم أقبل على الأنصار فقال: يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام (9).
وكان يطمئن عليهم ويسألهم: كيف رأيتم كرامة اخوانكم لكم وضيافتهم إياكم، فقالوا خير إخوان ألانوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحنا يعلموننا كتاب ربنا وسنة نبينا، فأعجب النبي وفرح لذلك ثم أقبل عليهم رجلاً رجلاً يعرضهم على ما تعلموه وما علموه، فمنهم من تعلم التحيات وأم الكتاب والسورة والسورتين والسنة والسنتين (10).
ومما جاء في الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سألهم: هل معكم من أزوادكم شيء؟ ففرح القوم بذلك وابتدروا رحالهم فأقبل كل رجل منهم معه صرة من تمر فوضعوها على نطع بين يديه فأومأ بجريدة في يده كان يختصر بها فوق الذراع ودون الذراعين فقال اتسمون هذا التعضوض؟ قالوا نعم، ثم أومأ الى صرة أخرى فقال أتسمون هذا الصرفان؟ قالوا نعم، ثم أومأ الى صرة فقال اتسمون هذا البرني؟ قالوا نعم فقال رسول الله أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم، فلما رجعوا الى بلاد هجر أكثروا الغرز منه وعظمت رغبتهم فيه حتى صار معظم تمرهم ونخلهم البرني (11). وفي رواية أن أحدهم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو كنت ولدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة، اشهد أنك رسول الله، فقال لهم:( إن أرضكم رفعت إليّ منذ قعدتم فنظرت من أدناها الى أقصاها) (12).
* وقد كان لعبدالقيس وفادة ثانية، لها أيضا رواياتها التي لا يتسع المجال لذكرها، وفيها أسلم الصحابي الجليل الجارود بن عمرو بن المعلا، وقد كانت مع عبدالقيس في الوفادة الثانية شخصيات من قبائل (بحرانية) أخرى مثل سلمة بن عياض الازدي.
والجارود هذا كان من زعماء وخطباء البحرين وهو الذي في أيام الردة وبعد رجة بكر بن وائل وتميم في البحرين، قام خطيباً بجمع من عبدالقيس فقال: تعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى؟ قالوا نعم، قال تعلمونه أو ترونه؟ قالوا لا بل نعلمه قال فما فعلوا؟ قالوا ماتوا، قال: فإن محمداً مات كما ماتوا وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، قالوا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإنك سيدنا وأفضلنا (13).
وقد ثبتت عبدالقيس على الإسلام أيام الردة حتى حين حاصر المرتدون جماعة منهم في قرية جواثا أرسلوا رسالة شعرية يطلبون فيها النجدة من خليفة المسلمين آنذاك وغيره من أمة الإسلام في مدينة رسول الله، وهي قصيدة لعبدالله بن حذف جاء في مطلعها:
ألا أبلغ أبا بكراً رسولاً
وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام
قعود في جواثا محصّرينا (14)
* وقد كشفت بعض المصادر عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يراسل رؤساء عبدالقيس بشكل خاص إضافة الى غيرهم لما لهم من مكانة في البحرين وقد جاء في رسالته لهم: (من محمد رسول الله الى كبير عبدالقيس، إنهم آمنون بأمان الله وأمان رسوله على ما أحدثوا في الجاهلية من القحم وعليهم الوفاء بما عاهدوا ولهم ألا يحبسوا عن طريق المسيرة ولا يمنعوا صوب القطر ولا يحرموا حريم الثمار عند بلوغه، والعلاء بن الحضرمي أمين رسول الله على برها وبحرها وحاضرها وسراياها وما خرج منها، وأهل البحرين خفراؤه من الضيم وأعوانه على الظالم وأنصاره في الملاحم عليهم، بذلك عهد الله وميثاقه لا يبدلون قولاً ولا يريدون فرقة ولهم على جند المسلمين الشركة في الفيء والعدل في الحكم والقصد في السيرة حكم لا تبديل له في الفريقين كليهما والله ورسوله يشهد عليهم) (15).
* وقد كان من عبدالقيس مجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواة لأحاديثه أشهرهم الأشج والجارود اللذان ذكرناهما وآخر لا يمكن إغفاله وهو زيد بن صوحان العبدي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تقطع يده في سبيل الله ثم يتبع الله آخر جسده بأوله) (16)، وفي رواية (تسبقه يده الى الجنة ثم يتبعها سائر جسده) (17). وصدق رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم حيث قطعت يد زيد في يوم جلولاء، وقتل بعدها بثلاثين عاماً يوم الجمل.
ومن الصحابة هرم بن حيان، ومخربة العبدي، وصحار بن عياش، وحكيم بن جبلة، والحارث بن مرة، وأبو نضرة، وإبان المحاربي، وجودان العبدي، وجويرية العصري، وأبو خيرة الصباحي، وعباد العبدي... وغيرهم.
ومن مشاهيرهم أيضاً الصلتان العبدي (شاعر الإمام علي) وصعصعة بن صوحان اخو زيد، وسيحان، وقد كان من فصحاء العرب والمسلمين وهو من قال له ابن عباس في محاورة بينهما (أحسنت يا ابن صوحان إنك لسليل أقوام كرام خطباء وفصحاء ما ورثت هذا عن كلالة) (18) وأبناء صوحان هؤلاء هم من مواليد القطيف بينما كانت نشأتهم في العراق، ومثلهم الكثير من عبدالقيس حيث انتقل الكثير من أهل البحرين للمدن التي أنشأها الخليفة عمر بن الخطاب آنذاك في العراق، وهما البصرة والكوفة، وقد كانت عبدالقيس خمس أخماس البصرة.
وقد كان منهم قاضي البصرة أيام الحجاج، عبدالرحمن بن أذينة، وهو من قال له الحجاج: أنت أكثر كلاماً من الخصم، فقال لأني أكلم الخصم والشاهدين (19).
* وقد شاركت شخصيات من عبدالقيس في أغلب الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام خاصة فتوحات بلاد الشرق ومنها:
البويب، القادسية، المدائن، جلولاء، الأهواز ومناذر، ونهر تيري، فتوحات فارس، فتوحات خراسان، ما وراء النهر، بلاد السغد، بيكند، وقعة الشعب، فتوح السند، فتح افريقية.
ثم وفي فترة الفتن التي حدثت في التاريخ الإسلامي، فقد كان لغالبية عبدالقيس سواء في البحرين أو العراق وقفة لجانب الإمام علي رضي الله عنه، وكانت عبدالقيس من أبرز قبائل ربيعة في جيشه، وقد كان ابن الأشج على أهل هجر في جيش علي في حرب الجمل (20)، أما في صفين فقد قال الإمام علي لرؤساء ربيعة: (أنتم درعي ورمحي، أنتم أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حي في العرب في نفسي)، وفي صفين أيضاً كان حامل راية ربيعة هو الحضين بن منذر (ابو ساسان) فقال فيها الإمام علي رضي الله عنه:
لنا الراية الحمراء يخفق ظلها
إذا قيل قدمها الحضين تقدما
ويدنو بها في الصف حتى يزيرها
حمام المنايا تقطر الموت والدما
الى أن قال:
جزى الله قوماً قاتلوا في لقائهم
لدى البأس خيراً ما أعف وأكرما
ربيعة أعني إنهم أهل نجدة
وبأس إذا لاقوا خميساً عرمرما (21)
وقد كان الإمام علي لا يعدل بربيعة أحداً من قبائل العرب سوى همدان. وبذلك فإن قبائل ربيعة أهل البحرين خاصة عبدالقيس وبكر بن وائل وبوقوفهم مع الإمام علي أصبحوا بالتالي مناهضين للحكم الأموي مما جلب عليهم سخط بني أمية، وكذلك الأمر في عهد بني العباس فأصبحوا من المغضوب عليهم، وأهملت البحرين وأصبحت منفى للمعارضين، فكانت أرضا خصبة لكل من أراد الثورة أو الخروج على الحكم منذ عهد الخوارج الى صاحب الزنج الى القرامطة.
ونذكر هنا على عجالة الثورات التي قام بها فقط شخصيات من عبدالقيس (22):
* تمرد بنو محارب في البحرين - الإقليم - على حكم بني أمية سنة 78هـ، وقد طلب والي البحرين النجدة من الحجاج في العراق آنذاك لكن جيشه كان مشغولاً بمحاربة الأزارقة الخوارج، فأمر عامله في اليمامة بأن يمد والي البحرين بالرجال للقضاء على هذه الثورة.
* حركة الريان النكري في الخط - القطيف -، وقد تمكن من الامر وطرد والي البحرين، لكن الحجاج قام بإرسال جيش سنة 80هـ من 12000 مقاتل بقيادة يزيد بن ابي كبشة ودخلوا الزارة وقتلوا الريان وصلبوه مع مجموعة من أصحابه. وظل مصلوباً حتى قام داود بن محرز - وكلهم من عبدالقيس - في جماعة واستولى على القطيف وأنزل جثة الريان ومن معه وأمر بدفنهم، ثم قضي عليه أيضاً بجيش من الأمويين.
* وفي سنة 78هـ توجه من البحرين الى البصرة أبو معبد الشني وتمركز على مقربة منها وأخذ يهاجم البصرة حتى تصدى له صاحب شرطتها الحكم بن أيوب وقضى عليه.
* سنة 86هـ أيضاً من البحرين في البصرة ثار داود بن النعمان وأيضاً قضى عليه الحكم بن أيوب بعد مقاومة عنيفة.
* ثورة مسعود بن أبي زينب المحاربي في البحرين كانت بعد وفاة عبدالملك بن مروان سنة 86هـ، فطرد عامل الأمويين وسيطر على البحرين، وقضي عليه عندما حاول السيطرة على اليمامة، وبعده ثار أخوه سعيد وأخضع البحرين لسيطرته، لكن سرعان ما سقط نتيجة اختلاف داخلي مع أحد معاونيه.
* ثورة سليمان بن حكيم العبدي في البحرين كانت على حكم بني العباس عام 151 هـ وقد استطاع أبو جعفر المنصور إخمادها بإرسال جيش بقيادة عقبة بن سلمة والي البصرة وقد تمكن من قتل سليمان بن حكيم.
* ثورة سيف بن بكير العبدي على الدولة العباسية كانت عام 190هـ، وقد تمكن من السيطرة على هجر. فأرسل الرشيد جيشاً بقيادة محمد بن يزيد بن مزيد، وبعد قتال عنيف استطاع قتل سيف بن بكير.
وهكذا ظلت عبدالقيس مسيطرة على هذا الإقليم فكانت آخر إماراتها هي الدولة العيونية، وقد زار المنطقة ابن بطوبة فقال عن الأحساء (مدينة هجر وتسمى اليوم بالحسا وهي مضرب المثل) كجالب التمر الى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، وأهلها عرب أكثرهم من قبيلة عبدالقيس بن أفصي ) (23). وقد تحدث المؤرخ النجدي ابن بشر عن أهم قبائل ربيعة ثم قال: ومنازل غالبهم البحرين وهجر والقطيف وحجر اليمامة وما والى هذه المنازل)، (24). واستمرت زعامات عبدالقيس في هذه المنطقة الى عهد قريب وكان آخرهم اسرة آل حاجي رؤساء (بلاد بن بطال) في العهد العثماني الأخير والمعروفة حالياً بقرية البطالية بالأحساء، وهم من نسل الأمير العيوني مالك بن بطال وإليه تنسب القرية، والتي كانت أساساً جزءا من مدينة الأحساء القديمة، وقد استمر فيهم منصب العمدة في العهد السعودي. وفي الأحساء غيرهم الكثير من الأسر التي تنسب لهذه القبيلة، ولا يتسع المجال للخوض فيهم. كذلك في القطيف كانت لهم الزعامة، وكان آخرهم آل بن جمعة رؤساء القطيف في العهد العثماني الأخير، كما أن من سرايا القطيف آل الخنيزي وآل الجشي وهم من عبدالقيس الذين كانوا يسكنون أوال في الماضي.
وفي الختام نقول:إنه ومقارنة بما جاء عن هذه القبيلة وعن شخصياتها من أخبار متفرقة في بطون الكتب والمراجع، فإن ما سطرناه ما هو إلا قليل بالنسبة لمن سبقونا في هذا المجال، فقد كان للعديد من أبناء المنطقة الشرقية محاولات جادة وفعالة في جمع مثل هذه الأخبار، فنحن لا نجد كتابا يتحدث عن تاريخ المنطقة دون أن يتطرق لقبيلة عبدالقيس بدءا من مخطوطات ديوان ابن المقرب المتناثرة في العديد من مكتبات العالم (والتي قام مؤخراً بجمعها وتحقيقها على أفضل وجه الأستاذ عبدالخالق الجنبي ومن معه)، مروراً بقصيدة الحسين بن ثابت العبدي القطيفي التي ذكرت تفاصيل بطون وفروع هذه القبيلة والتي ذكرها العماد الاصفهاني في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر، حتى نصل للمصادر المتأخرة ككتاب تحفة المستفيد للعبدالقادر وتاريخ هجر للأستاذ عبدالرحمن الملا، كذلك المقالات والبحوث التي نشرت عن هذه القبيلة في مجلة الواحة .بينما يبقى من أهم الكتب المعاصرة التي جمعت أخبار هذه القبيلة لحقبة زمنية معينة هو كتاب (قبيلة عبدالقيس منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأموي) للأستاذ عبدالرحيم آل الشيخ مبارك، فهو عمل مهم اختصر الكثير على الباحثين في تلك الفترة، لذلك اعتمدنا عليه هنا بالنسبة للروايات والأحاديث الشريفة الواردة في إسلام القبيلة، ذلك مع ذكر المراجع الأصلية، كما جاءت في الكتاب. وإننا إذ نتطرق لمثل هذه الأعمال فهذا أولاً تقدير منا لأصحابها ثم إرشاد لمن أراد الاستزادة بالرجوع إليها.
الهوامش
1- صحيح البخاري، ج1، ص 215
ب- جواثا قرية مندرسة في الأحساء معلوم موقعها، وقد تم التنقيب عما يعتقد بأنه المسجد المذكور، ويفد إليه الكثير من الزوار والسياح.
2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ط 3 (1387هـ)، ج 3، ص 128- جامع البيان عن تفسير آي القرآن (تفسير الطبري) للطبري ج6، ص 567
3- مسند أحمد بن حنبل للإمام أحمد بن حنبل، ج3، 432
ج- دارين لفظة كانت تطلق على جزيرة تاروت بالقطيف ودارين اسم لقلعة قديمة كانت بها، وقد بقي اسم دارين يطلق على مكان الفرضة، ثم تكون في القرن الماضي وفي نفس الموقع قرية صغيرة أسسها جماعة رحلوا اليها من قطر، كان منهم اكبر تاجر خليجي في عصره النوخذة الشهير محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، ومازالت القرية معروفة باسم دارين حتى يومنا هذا.
4- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ج3، ص 236- شرح صحيح مسلم للنووي، ج1، ص 181 - شرح صحيح البخاري للكرماني، ج1، ص 211 - الطبقات الكبرى لابن سعد، ج5، ص 564
د- عصر ومحارب هما فرعان من عبدالقيس.
5- الطبقات الكبرى، لابن سعد ج5، ص 557
6- نهاية الأرب، للنويري، ج 18 ص 65 و66
7- الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص 314 - نهاية الأرب، للنويري، ج 18، ص 96
8- البداية والنهاية، لابن كثير، ج 5، ص 55
هـ- هجر هنا مطلقة على كامل اقليم البحرين. و- المشقّر كان قصراً شهيراً عند العرب في الجاهلية وبه حادثة يوم المشقر على بني تميم، وقد بنته الفرس ابان حكمها للمنطقة على هيكل جبلي مازالت بقاياه حالياً في قرية القارة بالأحساء. -ز- الزارة كانت من أهم مدن البحرين وأحصنها وموقعها حالياً بجانب قرية العوامية بالقطيف.
9 + 10 + 11 مسند ابن حنبل، ج4 ص 206 و207
12- السيرة الحلبية للحلبي، ج 3، ص 253 و254
13- تاريخ الأمم والملوك للطبري، ج 2، ص 285
14- الكامل لابن الأثير، ج 2 ص 336 - البداية والنهاية لابن كثير ج 6, ص 369
15- الطبقات الكبرى، لابن سعد ج 1، ص 283
16- الطبقات البكرى، لابن سعد، ج 6، ص 123
17- فتوح البلدان للبلاذري ج 2، ص 924 - المعارف لابن قتيبة، ص 115 - أسد الغابة، لابن الأثير، ج 2، ص 291 و292
18- مروج الذهب للمسعودي، ج 3، ص 45
19- أخبار القضاة، لابن حيان، ص 306
20- تاريخ الأمم للطبري، ج 4، ص 505
21- ديوان الإمام علي بن أبي طالب شرح د. يوسف فرحات ص 103
22- تاريخ هجر، للأستاذ عبدالرحمن الملا، ج 2، ص 506 و 507 و 508
23- رحلة ابن بطوطة، ط 3 (دار إحياء العلوم - بيروت) ص 287
24- عنوان المجد في تاريخ نجد، لعثمان بن بشر النجدي الحنبلي، ج 2، ص 5
* باحث مختص في تاريخ الأحساء |