اكتحلت عيوننا جميعاً بقراءة خبر تلك الاحتفالية الكريمة بعشرين شاباً من أبنائنا وعشرين فتاة من بناتنا الذين عاشوا طفولتهم أيتاماً وهم يشاركون من قبل المجتمع الكريم بفرحتهم بزواجهم قرأت الصور المعبرة عن البهجة بهذا الزواج قبل أن أقرأ الكلمات وتمنيت من أعماق قلبي أن لو كنت بين هذا الحشد الكريم فرحاً ومهنئأً ومباركاً وداعياً ورجعت بذاكرتي إلى الوراء لشهر تقريباً حين هاتفت الأستاذ الفاضل ووالد اليتامى البر أبا عبد الرحمن منصور بن صالح العمري الأمين العام للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام بالمملكة الذي هو ممارس متقدم في الأبوة والحنو على الأيتام هاتفته مباركاً خطوات الجمعية الرائدة المتميزة وشاكراً للجمعية صنيعها أن قامت عنا بفرض الكفاية بالعناية والرعاية بأبنائنا وانطلقت بعدها كلمات أبي عبد الرحمن نحوي طموحة للمعالي وثابة للسمو ليخبرني ويسعدني بعزم الجمعية إقامة زواج جماعي لأربعين من أبنائنا وبناتنا مع توفير السكن وعش الزوجية المريح كأي متزوج آخر وأكبرت الفكرة مع عدم التوقع - ربما لأني أفكر بهمتي - أن يكون ذلك قريباً غير أن همَّة العاملين بهذه الجمعية الفتية التي عملت بلا كلل ولا ملل فتم لهم ما أرادوا بفضل الله سبحانه وبحمده ثم بجهد كريم ويد سخية من كرام نبلاء استشعروا عظمة المراد في قول رب العباد {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا } وقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) وأشار بالسبابة والوسطى رواه البخاري.لقد أثار هذا الحدث في نفسي كثيراً من المشاعر التي أجد أن المناسبة هي فرصة للحديث عنها:
* رعاية اليتيم وكفالته من أعظم وأفضل القربات عند رب الأرض والسماوات والآيات القرآنية والأحاديث النبوية ناطقة بحقوق اليتيم وما يجب له من التربية والتعليم والرعاية الصحية والنفسية والتربوية والتعليمية حقوقاً كفلها الشرع المطهر وحث العباد على القيام بها بترتيب الأجور العظيمة عليها.. ثلاث وعشرون آية في كتاب الله تعالى وعشرات بل مئات الأحاديث النبوية تتحدث عن حقوق اليتيم وفضل رعايته وكفالته وحفظ ماله والعناية بمصالحه والقيام له بالقسط وفضل الإحسان إليه والوعيد الشديد لمن أهان اليتيم بإيذائه نفسياً أو بدنياً أو مالياً ما يثير مشاعر المؤمن التواق إلى مرضاة الله وطلب رضاه.
* وفي مظاهر عناية الإسلام باليتيم درس متأمل لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد بعظمة هذا الدين وسمو رسالته وتعاليمه وقيامه بمنهج ونظام فريد في تشريعه خصوصاً في حقوق الإنسان المكرم وبالأخص العناية بحقوق الضعفة منهم.
* وإذا كان من فقد أحد والديه بهذه المثابة فإن من فقد والديه جميعاً أو جهلا أشد حاجة وأكد في وجوب العناية لأن مصيبته مصيبتان ولربما وجد اليتيم من أحد أبويه أو بعض قرابته رعاية وحناناً وانَّى لمن فقد والديه أو جهلا فصيلة تؤويه! فيكون حقه حينئذ أكبر ووجوب الرعاية أعظم.
* ومن القصور فهم الكفالة لليتيم بأنها تعني تأمين الطعام والكساء والدواء بل هي في الشرع أبعد من ذلك لتعني الكفالة بكل ما تحمله الكلمة من معنى شرعي ولغوي وحينئذ وجب على القائمين على الأيتام دراسة مدلول الكفالة شرعياً واجتماعياً ونفسياً وتعليمياً وكل ما تتطلبه الحياة المعاصرة لينخرط اليتيم في المجتمع سوياً ناضجاً فاعلاً صالحاً في دينه ودنياه غني بنفسه - بعد الله - عن غيره ليكون لبنة صالحة فاعلة في مجتمعه.
* وإذا كانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تقوم بدور رائد تجاه أبنائنا الأيتام وهو من واجبها الذي أناطته بها الدولة وفقها الله فإن جهودها مبدعة متميزة بتوفيق من الله تعالى ثم ببذل من رجالاتها المخلصين وفقهم الله لكل خير إلا أن هذا لا يعفي المحسنين بفكرهم وجهدهم ومالهم من تبعة المسؤولية ذلك أن اليتامى أبناؤنا جميعاً ومن واجب كل منا أن يقوم بجهد لخدمة هذه الشريحة قدر استطاعته (لينفق ذو سعة من سعته) إذ إن اليتيم بحاجة نفسية واجتماعية لينخرط في المجتمع ويُذيب الفوارق ويكسر الحواجز وينسى يتمه وهذا يحتاج إلى عمل لا يمكن أن تنفرد به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وحدها بل لابد من مشاركة ومساندة واعية مدركة متقبلة باذلة محتسبة من المجتمع.
* وتنطلق المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام بمهامها الخيرة بخطط طموحة لتعلن نجاحها في أول برامجها التنفيذية التي سيتلوها - بإذن الله تعالى - نجاحات كثيرة نسعد بها جميعاً يوم أن نساهم جميعاً في تقديم الرعاية لأبنائنا ونحمل مع الجمعية همومها وتطلعاتها.
* ومن خلال ما رأيت وقرأت عن هذا الحفل أدركت حاجتنا للعمل الخيري المتخصص فقد ثبت أنه هو الأجدى وهو الأنفع ليكون الهم في المؤسسة الخيرية هماً واحداً لا متعدداً وحينها يكون العمل أكثر نضجاً وإبداعاً وتميزاً وأعظم فاعلية وأثراً وأحسب أن هذه المؤسسة الفتية شاهد صدق لما أقوله.
* والحمد والشكر لله سبحانه وتعالى أن وهبنا نعمة الإسلام التي نتفيأ ظلالها ثم شكراً لولاة الأمر رعايتهم وعنايتهم بأبنائنا الأيتام وفقهم الله لكل خير وزادهم من فضله وإنعامه. ولوزارة البر والإحسان في بلادنا - وزارة العمل والشؤون الاجتماعية - الثناء العطر والذكر الحسن لجهودها المباركة ولوزيرها الهمام معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة التحية الصادقة لجهده وعمله وإن كان من عتب عليه فهو لعدم العناية بإبراز جهد وزارته للناس عبر الإعلام ليسعد الناس وليدركوا وليساهموا والشكر موصول للجمعية الخيرية لرعاية الأيتام التي أضفت علينا مشاعر من البهجة والسرور بصنيعها الجميل والدعاء الصادق لكل من بذل فكراً وجهداً ووقتاً ومالاً ليدخل البهجة على أبنائنا فمسح هاماتهم حناناً أو كفلهم أو سعى في تزويجهم والدعوة الصادقة لمن فاتهم ركب البذل في الأولى أن يتداركوا الفرص القادمة ابتغاء رضوان الله ومرضاته والشكر لجريدة الجزيرة التي أبدعت في نقلنا بمشاعرنا للحدث عبر تغطيتها المتميزة. وفق الله الجميع لكل خير وأدام على بلادنا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
|