خلال الفترة من 9 - 11-1-1425هـ الموافق 1-3 مارس 2004 قُدّر لي مع مجموعة من الزملاء في قسم المناهج أن نحضر المؤتمر الدولي ( نحو إعداد أفضل لمعلم المستقبل ) الذي عقد في رحاب جامعة السلطان قابوس في عُمان وقد تفضل الاخوة العمانيون بترتيب زيارة لنا نحن منسوبي كلية التربية بجامعة الملك سعود لإحدى مدارس التعليم العام بحكم ان هذه المدرسة تأخذ بنظام التعليم الأساسي . وهذه التجربة تعتبر جديدة على النظام التعليمي في عمان ويحسن إعطاء فكرة عن المدرسة والتجربة الجديدة .. فالمدرسة تسمى مدرسة الصاروج نسبة إلى المنطقة التي تقع فيها إذ يوجد في هذه المنطقة مادة طينية خاصة ومتميزة تستخدم في أعمال البناء سميت بمدرسة الصاروج للتعليم الأساسي نظراً لأن التدريس فيها يقتصر على طلاب السنة الأولى وحتى السنة الرابعة الابتدائية وتضم طلابا وطالبات ، وكادرها التعليمي والإداري نسائي وقد لاحظت ان الطلاب مقسمون إلى مجموعات داخل الفصل إذ يتحلق كل خمسة اوستة طلاب على طاولة واحدة ويشكلون مجموعة يفترض ان يتفاعل أفرادها فيما بينهم كما ان المعلمة تتعامل مع الطلاب على أساس المجموعات وليس على أساس الأفراد .
ويتضح هذا الأسلوب في التعامل حين تطرح المعلمة سؤالاً وتريد الإجابة عليه إذ تخاطب المجموعة وليس الفرد باسمه وبعد طرح السؤال تكون المناقشة بين المجموعات ويقوم من بين إحدى المجموعات من يعطي الإجابة سواء في مكانه على الطاولة أو على السبورة. إن ما يلاحظ على هذا الأسلوب هو تشجيع الانتماء الجماعي مقابل الحس الفردي بالإضافة إلى إيجاد مناخ تنافسي بين المجموعات وتشجيع بعض الأفراد وتقوية الثقة بذواتهم . لقد أثمر هذا الأسلوب في انطلاق الطلاب والطالبات وولّد لديهم إحساسا بالثقة إذ انهم كانوا في استقبالنا والترحيب بنا كما انهم نفذوا برنامج الزيارة المعد لنا بإتقان وسرور وبشاشة ودونما تردد أو تلعثم رغم صغر سنهم. ان عرض تجربة المدرسة هذه لا ينفك عن موضوعنا الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو مؤتمر إعداد المعلم ذلك ان تجربة المدرسة في التعليم الأساسي لم تأت من فراغ وتحدث هذه النتائج دونما إعداد جيد للمعلم أو المعلمة التي آمنت بالفكرة واستلهمتها واكتسبت المهارات المطلوبة لتنفيذ التجربة. المؤتمر وفق أهدافه التي وضعت له يستهدف السعي للرفع من شأن العملية التعليمية من خلال إعداد المعلم الكفء القادر على القيام بالمهمة بالصورة التي تخدم المجتمع والأمة ، ولذا فإن عرض ومعرفة الفلسفات المختلفة في إعداد المعلم وتحديد الصعوبات والمشكلات التي تواجه إعداد المعلم، وتقوية العلاقة بين مؤسسات الإعداد والجهات المستفيدة من المخرجات بالإضافة إلى استكشاف افضل الصيغ والمناهج التي من الممكن اتباعها في إعداد المعلم وتدريبه على رأس العمل ومن اجل إيجاد الأرضية المناسبة لتحقيق هذه الأهداف طرح المؤتمر بعض المحاور لبحثها ودراستها ومناقشتها من قبل المشاركين في المؤتمر وأهم هذه المحاور:
المحور الأول: التنمية المهنية للمعلم ويهتم هذا المحور بمعايير اختيار وإعداد وتدريب المعلم بما في ذلك التدريس عن بعد والتدريب على رأس العمل بالإضافة إلى تشخيص الصعوبات التي تواجه معلم المستقبل أخذا في الاعتبار المتغيرات والتحولات الدولية والتحديات التي تواجهها الأمة من تحديات ثقافية، وسياسية واقتصادية بل وعسكرية.
المحور الثاني: مناهج إعداد المعلم ويهتم هذا المحور بمعرفة ما هو قائم من مناهج في إعداد المعلم بغرض معرفة السلبيات والإيجابيات في هذه المناهج ومعرفة مدى مناسبة هذه المناهج للظروف والمستجدات ومدى ملاءمتها للجديد في مجال إعداد المعلم خاصة ماله علاقة في التقنية وتوظيفها في التدريس من أجل تحقيق العملية التعليمية بالشكل الذي يخدم الأمة وأهدافها.
المحور الثالث: تناول هذا المحور مجموعة الفلسفات التي تحكم عملية إعداد المعلم وعرضت بحوثه الأسس النظرية لإعداد المعلم والخصائص النفسية والواجب توفرها في معلم المستقبل مثل المعتقدات والقيم والاتجاهات والدوافع بالإضافة إلى طرح التصور الإسلامي لإعداد معلم المستقبل والذي يفترض أن يكون مشعل هداية ينير الطريق لأبنائه الطلاب.
المحور الرابع: عني هذا المحور بمعلم التعليم العالي والمقصود به أستاذ الجامعة في كليات التربية وكليات إعداد المعلمين والذي يتخرج على يديه معلم التعليم العام وقد تناولت بحوث هذا المحور النظم واللوائح الخاصة بإعداد أستاذ الجامعة وابتعاثه وقد ركز على الإعداد الأكاديمي والإعداد المهني والثقافي بما في ذلك طرق وأساليب التدريس والتقويم التي يفترض ان يلم بها ويتدرب عليها.
الصورة العامة للمؤتمر يمكن تشكيلها من خلال مجموعة من العناصر وهي البحوث من حيث تنوعها وعمقها والجديد الذي يوجد فيها والحضور من حيث عددهم وتخصصاتهم ومكانتهم في الحقول التي يعملون بها ، بالرجوع للبحوث نجد أنها كثيرة وتتناسب مع الفترة المخصصة للمؤتمر كما ان بعضها يتسم بالجدية والاحتواء على أفكار واطروحات قابلة للمناقشة والتداول حولها خاصة الشعور الإسلامي لإعداد المعلم الإعداد التكاملي.
أما المشاركون في المؤتمر فكانوا من عمداء كليات التربية والمفكرين ومن صناع القرار في وزارة التربية والتعليم العمانية بالإضافة إلى المعلمين والموجهين وطلاب الجامعة وبالأخص طلاب كلية التربية في جامعة السلطان قابوس والذين كان لحضورهم نكهة خاصة إذ ان مشاركتهم وتفاعلهم الملفت للانتباه كان محل لفت الأنظار حيث شاركوا في معظم الجلسات بالاستفسارات والمداخلات وإبداء الرأي حول اعدادهم وتطلعاتهم كما ان مشاركة المعلمين الذين هم على رأس العمل زاد من قوة المؤتمر اذ ان مشاركاتهم بينت المعاناة التي يتعرضون لها والتطلعات التي يرغبون تحقيقها كما ابرزوا ملاحظاتهم على الأنظمة واللوائح ذات العلاقة ببيئة العمل مما أكسب المؤتمر طعماً خاصاً حيث التقى العاملون في ميدان التعليم العام مع مسؤولي مؤسسات الإعداد ممثلة في كليات التربية وكليات إعداد المعلمين.
الأمم المتحدة ممثلة في اليونسكو كان لها حضور في إحدى الجلسات حيث تحدث السيد جون دانيال مساعد مدير عام اليونسكو للتربية عن دور اليونسكو في نشر التربية والتعليم في إنماء العالم واكد على المبدأ الذي تتبناه اليونسكو وهو مبدأ التربية للجميع، ومع سلامة هذا المبدأ من الناحية النظرية إلا ان الجانب التطبيقي له يحتاج لوقفة وتأمل خاصة في العالم العربي ماذا قدمت اليونسكو للعالم العربي مقابل ما أخذت من أموال وثراء ثقافي وقيمي تفتخر اليونسكو انه واهتماماتها في صلب عملها.؟ أظن ن اليونسكو لم تقدم للعالم العربي من الجهد ما يستحقه، كما ان التربية للجميع المبدأ الذي تتغنى به اليونسكو في كل محفل وكل وقت بحاجة للتعامل معه بصورة أخرى إذ يقترح على اليونسكو وهي المعنية بالحضارات والثقافات والتراث ان تفعل هذا المبدأ وتعيد تربية المجتمعات الغربية خصوصا السياسيين منهم من أجل احترام ثقافات الآخرين ومبادئهم وقيمهم وعدم التدخل في شؤونهم ومشاغبتهم في حياتهم وخيراتهم. لقد سمع مساعد المدير العام لليونسكو هذه الكلمات في المؤتمر ولم يرد عليها.
المؤتمر بصورة عامة كان فرصة للتربويين والمهتمين بالتربية والتعليم لمدارسة ومناقشة هموم المهنة برؤية مستقبلية كما يمكن الإشارة إلى بعض الاستنتاجات التي خرجت بها من المؤتمر أولها ان هناك إحساسا عاما بخطورة الظرف الذي تمر به الأمة وأهمية الدور الذي من الممكن ان يقوم به المعلم في المستقبل مما يستدعي العمل على إعداده الإعداد الجيد والذي يجعله على مستوى المسؤولية وبما يتناسب مع المرحلة والظرف التاريخي .
ومن الاستنتاجات أيضا عدم الرضا عن العلاقة القائمة بين مؤسسات الإعداد والمؤسسات المستفيدة من مخرجات الجامعة وكليات إعداد المعلمين إذ أشار الكثيرون إلى أهمية توثيق العلاقة بينهم من اجل التنسيق ومعرفة ما يوجد في الميدان على ارض الواقع. أما الاستنتاج الثالث فهو الإحساس الذي أبداه البعض حول ضعف المخرجات التعليمية مما يؤكد أهمية إعادة النظر في برامج إعداد المعلمين وتأهيلهم وتدريبهم كما استنتجت أيضا عدم استفادة كليات التربية في العالم العربي من بعضها البعض في تجاربها وخبراتها إذ ان مشروعا قد يكون نفذ في بلد من البلدان العربية دون معرفة البلدان الأخرى مما يفقد الاستفادة من هذا البرنامج .
واذا كان من كلمة تذكر حول الاخوة العمانيين الذين غمرونا بكرمهم فإن روح التوثب والطموح من أجل مستقبل تربوي أفضل تبدو واضحة على ملامحهم وتشغل فكرهم وأحاسيسهم.
|