إنَّ العمل (الأكاديمي) بات واحداً من ضمن (طموحات) رجال الأعمال من ذوي رؤوس الأموال، لذلك اتُّجه إلى التَّفكير فيه، والتَّخطيط له، والسَّعي من أجل ذلك لأنْ يتولَّى هؤلاء (فتح المدارس)، و(الكلِّيات) الأهلية، و(الجامعات)... ومثل هذا السَّعي مطلب حضاري بلا ريب، تدعو له الحركة التَّغييرية ليست (الطارئة) بل (الطبيعية) لسير دورة الحياة، ولمواكبة النُّمو البشري في مختلف جزئيَّات احتياجاته.
غير أنَّ العائق في التَّعليم العالي لا بدَّ أن يكون (عضو هيئة التَّدريس) الكفء...، إذ ليست الكفاءة فقط هي (الدَّرجة العلمية) في مراتبها، بل الكفاءة النَّوعية لمستوى الأداء، ولعمق المحصول. فكما ترى في عذوق النَّخيل تمراً يغريك، حتى إذا ما وصل ليدك وجدته أجوف جافاً لم يتكامل فيه النُّمو، كما هو المستوى عند فئات ممَّن يحسبون بدرجاتهم، ويعاملون ببريقها.
إنَّ القيمة النَّوعية والتَّحصيلية من حيث الخبرات، والإتقان، والثَّقافة والإبداع والتَّجديد، والتَّّمكُّن، والقدرات البارزة ربَّما من (اللاَّئق) الالتفات إليها ووضعها في ميزان التَّقدير. وكما بُدئ الآن الأخذ (بالحذَّة قدَّ الحذَّة) بما هو عليه مسار المجتمع العالمي في مجالاته المختلفة وأوَّلها هذا الغثاء الإعلامي وهذا الهوس الاستهلاكي في جوانب المعيشة والمظهر فإنَّ الأولى اتِّخاذ الأمر في المجال الأكاديمي، حيث الخبرة والقدرة والتَّمكُّن محاور الاختيار لأعضاء الهيئة الأكاديمية. ذلك لأنَّ البحث المتعمِّق في أمر الأكاديمية يجعلها تأتي في أولويَّات ما لا بدَّ العناية به وأخذه أو جعله أمراً ذا بال ووضعه في الاعتبار.
فامتداد القدم نحو التَّوسُّع في المجال الأكاديمي لا بدَّ ألاَّ تطغى عليه التَّظاهرية من أجل مواجهة الأعداد البشريَّة الرَّاغبة فيه والمتَّجهة إليه. ذلك لأنَّ الرَّغبة فيه والتَّوجه له لا بدَّ أن تُنظَّم الخطوة إليهما، والخطوة منهما عند محور دقيق هو: هل الرَّغبة ناتجة عن توجُّه حقيقي للتَّعليم العالي؟ أم أنَّه وسيلة للحصول على مقعد عمل؟ وفي حال أن تكون الإجابة هي الثَّانية فإنَّ موجبات التَّطور المواكبة للتَّوسُّع الأكاديمي العالي تفرض أن يكون التَّعليم العالي ليس هو فقط المجال المتاح لكلِّ البشر ذلك لأنَّ مقدرات البشر تختلف...
ولا بدَّ في المقابل أن يفكِّر أصحاب رؤوس الأموال أنَّ مجال الرِّبح (المشروع) بنيَّة (خدمة المجتمع) يمكن أن يتحقَّق بإتاحة تنويع (مصادر) استقطاب مختلف الفئات البشريَّة بمختلف فروق توجُّهاتهم... ذلك لأنَّ المجال الأكاديمي يمكن أنْ يبقى للعناصر القادرة على رسم مستقبل أجمل للبشرية من خلال أجمل ما خلق اللَّه من قدرات عقلية وإبداعية وتجديدية تضيف، وتجدِّد وتحرِّك ساكن ما هو عليه واقع التَّطور النَّوعي في مخرَّجات التَّعليم العالي بالشَّّكل المتوخَّى. ولا يتحقَّق ذلك إلاَّ في تبادلية بين راغبٍ ذي قدرةٍ، وقادرٍ ذي اقتدار.
|