أنا ممن يؤمنون إيمانا عميقاً بأن مكافحة الإرهاب تعتمد في اسمها الأول على مكافحة البيئة الثقافية والمناخات التي فيها ينمو، وبأسبابها يترعرع لذلك يجب أن نتعامل مع هذه العوامل مثلما نتعامل مع ردم البرك والمستنقعات الآسنة التي تعمل على انتشار الأمراض والأوبئة وفي تقديري أن محاصرة هذه البيئة سعيا إلى القضاء على إفرازاتها تكمن في النقاط التالية:
أولها: الانفتاح الواعي على الآخر، وتلمس اسباب تفوقه علينا حضاريا، والعمل على احلال الحوار بدلاً من العنف والاستفادة من التجربة الحضارية اليابانية في هذا الشأن.
ثانيها: تنظيم النسل وتطويق القنبلة الديموغرافية.
ثالثها: اصلاح المناهج التعليمية عموماً، والدينية منها على وجه الخصوص، وعصرنتها واعداد المعلم القادر على تخريج جيل واع وقادرعلى التعامل مع حضارة اليوم.
وقد رتبت هذه النقاط حسب سلم أولوياتها بناء على رؤيتي للمشلكة بمعنى ان الأهم الانفتاح الواعي على الآخر وعلى علومه المتفوقة وعلى قيمه التي جعلت من انسانه انسانا منتجا ومتفوقا ليأتي في المرتبة الثانية تنظيم النسل وأخيراً اصلاح العملية التعليمية والدينية منها على وجه الخصوص منهجا ومعلما.
ربما ان الانفتاح الواعي على الآخر وكذلك اصلاح التعليم من الموضوعات التي قد عنيت باهتمام كبير من قبل مسؤولينا ومثقفينا واصلاحيينا وبالذات بعد ان شاع الإرهاب باسم الإسلام وليس لديي ما أضيفه في هذا الشأن أكثر مما ذكر غير ان الموضوع الذي أرى أننا نتهرب من بحثه ونحاول ان نغض البصر عنه هو موضوع القنبلة الديموغرافية الناتجة عن النمو المتفاقم والخطير في تزايد العسوديين
هذا الجانب هو أقل الجوانب في رأيي التي سلطت عليها الأضواء رغم أهميته بل هو أهم من بعض الجوانب الاصلاحية التي أخذت الكثير من الأخذ والرد والجدل في تلمسنا لأسباب هذه القضية وقد سبق لي أن كتبت عن هذا الموضوع وللأسف كانت ردة الفعل مخيبة للآمال حيث وجدت اننا في مواجهة هذه المعضلة التي تحث ركابها مسرعة إلينا تحتكم إلى نظريات واجتهادات فقهية لا تقيم للواقع ناهيك عن مصلحة البلاد والعباد وزنا نتشبث بحرفية بعض النصوص غير عابئين بمدى ملائمتها لأوضاعنا القائمة.
تزايد اعداد السكان في المملكة وصل نسبته إلى معدلات كبيرة من شأنها في المحصلة وفيما لو تركت من دون حل أن توسع الهوة بين متطلبات الانسان السعودي الحياتية ناهيك عن الخدماتية وبين قدرة الاقتصاد حتى لو افترضنا نموه عن النمو القائم على تلبية هذه متطلبات الأمر الذي سيكرس في النتيجة الفقر وارتفاع معدلات البطالة هذا فضلا عن معضلة شح المياه في المملكة التي هي الأخرى مشكلة نعانيها اليوم، ومرشحة بكل تأكيد للتفاقم غدا إلى مستويات خطيرة
أعرف أننا سنسلم شئنا ام أبينا في النهاية للتعامل مع هذه القضية بموضوعية كما تعاملنا مع الكثير من القضايا التنموية التي كنا نرفضها في الأمس - التأمين مثلا - ثم نقبلها اليوم مضطرين لا مختارين غير انني أخشى ما ان نقبل بالحل ولكن بعد فوات الأوان وكما نعلم جميعا ان الحلول اذا تأخرت عن مواقيتها تصبح جدواها كأن لم تكن.
لذلك فإنني أرى أن علينا - على الأقل - ان نتعامل مع هذه القضية بطريقة غير مباشرة إذا تعذرت علينا مواجهتها بطريقة مباشرة مثل الآخرين لذلك وحسب قراءاتي ومتابعاتي لهذا الموضوع وجدت ان عمل المرأة كما يؤكد الكثير من التجارب العالمية من شأنه ان يقلل وبشكل كبير من الإنجاب فالمرأة العاملة مضطرة تلقائياً إلى تنظيم نسلها، والالتفات إلى التماهي مع متطلبات ظروفها العملية الأمر الذي يؤدي بصورة تلقائية إلى انخفاض نسبة المواليد دون ان تتدخل الدولة بصورة مباشرة
صحيح ان عمل المرأة يكتنفه الكثير من الممانعات والمحاذير الدينية، غير اننا في النهاية نستطيع التوفيق بين عمل المرأة وبين الشروط الدينية، واتاحة فرص العمل لها من خلال تخصيص بعض المجالات العملية للمرأة منفردة دون ان يكون لها اختلاط بالرجال ولا سيما ان هناك بعض المجالات الصناعية والإدارية التي أثبتت التجربة إبداع المرأة فيها أكثر من الرجل، صناعة الالكترونيات وتخزين المعلومات مثلا وغني عن القول ان هذه الممارسة فيما لو عملنا على تطبيقها جديا فإن نتائجها لن تتوقف عند نزع فتيل القنبلة الديموغرافية فحسب وإنما ستسهم بشكل فعال - أيضاً - في خفض معدلات التضخم بين النساء وسترفع دخل الأسرة السعودية في المحصلة أي أي
إننا سنكون قد أصبنا عصفورين بحجر واحد.
|