كنت امتلك قطعة من الأرض في أحد الأحياء الجديدة ولم أشتر هذه الأرض عن قناعة تامة وإنما كان ذلك استجابة للمد وللضغط الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع على بعضه بوعي أو بدونه ولكنه يؤثر تأثيرا كبيرا على رأي الإنسان الخاص وللتوجه السائد بأن الشمال من أفضل الأماكن للسكن (ولا أعتقد ذلك بل المكان المناسب ما وجد فيه الإنسان راحته وسعادته) وهو المنطقة التي يتجه إليها المد العمراني وذو مستقبل كبير من حيث ارتفاع الأسعار وتوجه المدينة إليه حيث إنه سيصبح يوما ما مركز المدينة، وهو كذلك من حيث النظرة الاقتصادية، فقد اشتريت هناك بعد أن دفعني الموج إلى ذلك، ورغم هذه الخطوة الإجبارية نوعا ما إلا أنني أنظر نظرة مغايرة لكثير من الناس فأنا ممن يرغبون السكن في الأرياف (جمع ريف) وهي القرى الزراعية القريبة من المدن أو البعيدة عنها أو المدن الصغيرة فالسكن هناك له نكهة خاصة والعيش فيها (ألذ) بكثير من العيش في المدن فلا إزعاج ولا ضوضاء ولا صخب، والناس هناك على ماهم عليه من الطيبة لم تؤثر فيهم المدنية بوجهها المزيف ولم تخل بسلوكهم ، فالليلُ ليلٌ،سكون وهدوء ونسمات عليلة وهواء نظيف لم تخالطه غازات العوادم و المصانع ولم تقلبه أنوار فوانيس الشوارع أو أصوات السيارات إلى نهار آخر فهو للنوم والراحة والنهار نهار للعمل وطلب لقمة العيش، وقد يختلف إنسان الريف عن إنسان المدينة فإنسان الريف لديه نشاط كبير وقوة بينما إنسان المدينة قد لا يجد من الطاقة ما يجعله يصعد الدرج، وكذلك إنسان المدينة تجد أن لديه من الضغوط النفسية التي تقابله في حياته اليومية ما يجعله يسير مثقلا بالهموم حزينا بينما إنسان الريف سعيد وبمجرد ما يحل الليل ينام براحة تامة دون أي تفكير او قلق، ويتميز إنسان المدينة بكبر(الكرش) والترهل والإصابة بالتخمة وعسر الهضم ذلك الذي قد لا تجده أبدا في إنسان الريف، وقد يصاب أهل المدن أكثر من أهل الريف بالأمراض المزمنة نتيجة للمؤثرات الكثيرة التي تواجههم ولكثرة تناولهم الأطعمة المسبقة التحضير والوجبات السريعة ، وأهم من ذلك أن أطفال الأرياف ما يزال أكثرهم باقون على ماهم عليه من ود واحترام للآخرين وتقدير للكبير وتعامل جميل مع الجميع ، بينما (بعض) أطفال المدن وليس كلهم قد غيرتهم المدنية واختلط كثير منهم بفئات كثيرة من الناس متنوعة السلوك والأفكار مما أثرعلى سلوكهم وفكرهم وجعلهم يسلكون أنواعا من السلوك مغايرة للفطرة وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي بالنسبة لي لتفضيل العيش في الأرياف على المدينة، ليس الريف بالنسبة لمدينة كبريدة كالريف بالنسبة لمدينة كالرياض فأرياف بريدة قريبة جدا منها ولذلك يعتبر بعضها في وسط المدينة، بالإضافة إلى ذلك فأسعار الأراضي أو المنازل في الأرياف أقل بالنسبة للمدن وبإمكان الإنسان أن يشتري ما شاء من المساحة وبجزء يسير من مبلغ أراضي المدن، ولا أدري ما سر تعلق الإنسان بالمدن ، هل هو ظروف العمل أو هي الرغبة بالرفاهية والتقليد أو المظاهر الاجتماعية أو هي مجارات التحضر والمدنية، أو هي اجتماع المصالح المهمة في المدن كالدوائر الحكومية والمؤسسات وكذلك توافر الخدمات الكثيرة والعالية المستوى كالمستشفيات وغيرها من المرافق الأخرى رغم أن أسباب اللوصول إليها متيسرة وسهلة جداً وقد تكون هناك أسباب أخرى لم أستحضرها أو لا أعلمها، أعتقد أنه لو فكر كل واحد وقارن بين العيش والسكن في المدن وبين العيش والسكن في الأرياف لوجد أن الأرياف أفضل بكثير من المدينة ولكن بشرط إبعاد النظرة الاقتصادية وتأثير المجتمع، ولا يعني العيش في الأرياف الابتعاد عن وسائل الراحة والرفاهية المحببة للنفس فقد يعتقد البعض أن الريف أو العيش فيه هي العودة الى الماضي والى حياة المشقة والتعب والعودة إلى البيوت الطينية القديمة والتخلف والانغلاق ومحاربة المدنية كما يعتقده البعض، بل هي نقل كل ما يشاء الإنسان معه مما لايؤثر على سلوكه أو تغيير فطرته في الريف للتمتع والاستئناس به ، لقد تبدلت الحياة في هذه الأيام بصفة عجيبة، وأصبحت المدن الكبيرة هي محطات وصول بالنسبة لكثير من الناس لا مغادرة بعدها حتى إنك تجد تكدسا في المدن الكبيرة لأعداد هائلة من البشر، لو نظرنا إلى من جرب المعيشة في الأرياف ويعيش الآن في المدينة لوجدنا أن لديه حنينا داخلياً للعودة إلى الريف ويحس بسعادة غامرة إذا وصل إلى الريف مرة أخرى ولو للزيارة وليس للسكن، الريف له مذاق خاص ولون آخر للمعيشة وحياة أخرى مختلفة تماما عن المدن، وأدعو من يرغب الى أن يتمتع ببقية عمره ويعيش بسعادة بأن يبتعد عن المدن ويسكن الريف متى ما استطاع ذلك وليكن بسرعة كما سأحاول فعله إن شاء الله بعد أن تخلصت من قطعة الأرض السالفة الذكر، إن لم أواجه أمواجا من التدخلات والآراء التي تأتي من بعض المتطفلين والتي تؤثر بالضغط وتأتي بنتائج معاكسة لما يتم التخطيط له، ودعواتكم بالتوفيق،وفق الله الجميع.
|